amel عضو ذهبي
عـدد المشارڪات : 371 تاريخ الميلاد : 24/05/1979 تاريخ التسجيل : 01/04/2011 عمرك : 45 الموقع : في قلوب الأحبة العمل/الترفيه : موظفة /المطالعة مزاجك : متفائلة انشاء الله
| موضوع: بيان مفهوم الإسلام الحضاري الخميس سبتمبر 15, 2011 12:58 am | |
| [size=18]
بيان مفهوم الإسلام الحضاري
أولاً: مقدمة
بدأت بوادر نهضة الأمة الإسلامية بالظهور مع بداية تأسيس الحكومة الإسلامية في المدينة المنورة، ثم أخذت تنمو تدريجيًا في زمن الخلفاء الراشدين والدولة الأموية والدولة العباسية. ثم امتدت هذه الحضارة لتصل إلى القارة الأوروبية حيث منها قامت الحضارة الإسلامية في الأندلس. إن ميزة العالمية التي تتمتع بها الحضارة الإسلامية جلبت للأمة والكون النفع الكبير.
بعد سقوط الدولة الإسلامية في أواخر القرن الثاني عشر، أصبح العالم ينظر إلى المجتمع المسلم نظرة ضعف وتخلف. ولا يزال الكثيرون من أبناء الأمة الإسلامية أنفسهم يعتقدون بأن الدين ينحصر في العبادات فحسب. وبالرغم من أن هناك وعيا بأن الإسلام هو طريق الحياة، فإنه بات مجرد شعار، بل إن أغلبية أفراد المجتمع يستصعبون قبول فكرة أن نهضة الأمة وحضارة الشعب وبناء الدولة وترسيخ كيانها تدخل من ضمن الإطار الذي يشمله الدين كما يدعو إليه الإسلام بالفعل.
الإسلام كما هو معروف هو الدين الصالح لكل زمان ومكان؛ أي إنه طريق الحياة بكل ما تشمله الكلمة من معنى، وأنه ليس مجرد اعتقاد أعمى، وإنما هو المنهج الكامل المتجدد للحياة، القادر على حل جميع المشكلات المعاصرة على مدى الأزمان؛ وعلى هذا فإنه ينبغي اتخاذ الطريقة المناسبة لتغيير وجهة نظر المجتمع المسلم لتعاليم الإسلام في كافة مجالات الحياة على المستوى الفردي والأسري والاجتماعي والوطني.
يركز مبدأ الإسلام الحضاري على النهضة التي ترمي إلى تشييد الحضارات من خلال تحسين مستوى المعيشة والنهوض بالإنسان روحياً ومادياً عن طريق التمكن والإلمام بشتى أنواع المعارف والعلوم.
لا يعد مبدأ الإسلام الحضاري مذهباً حديثاً أو ديناً جديداً، وإنما هو في حقيقته وسيلة عملية من أجل إعادة الأمة الإسلامية إلى الأسس والمبادئ التي يدعو إليها القرآن والسنة الشريفة التي تعد دعامة الحضارة الإسلامية.
إن تعاليم الإسلام من شأنها المحافظة على حياة الإنسان وكل المخلوقات، وقد ألقى الله سبحانه وتعالى على عاتق الإنسان مسئولية الخلافة في الأرض. والتطبيق الفعلي لتعاليم الإسلام يضمن سعادة البشر وهناءهم على اختلاف أجناسهم وأديانهم وثقافاتهم، وذلك مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأنبياء: 107: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
ثانياً: الإسلام الحضاري (الفكرة والمفهوم)
قامت الحكومة الرشيدة بوضع عدة خطط تنموية في ضوء التعاليم الإسلامية، مراعية في ذلك المحافظة على تحقيق التوازن الروحي والاقتصادي والتربوي والاجتماعي والقانوني في جميع النواحي الحضارية. والحكومة على إدراك تام بأن الإسلام ليس مجرد شعائر دينية فحسب، وإنما هو دين عملي أنزل لينظم حياة المجتمع بطريقة واقعية. وعلى ضوء ذلك قامت الحكومة بتبني مبدأ الإسلام الحضاري من أجل نشر وبث الوعي لدى أبناء المجتمع بالمفهوم الحقيقي للإسلام، أملاً أن يقودهم هذا المبدأ إلى نهضة ورفعة الأمة والوطن.
إن مبدأ الإسلام الحضاري لا يعد مذهباً حديثاً، وإنما هو وسيلة تتخذ من أجل إعادة الأمة الإسلامية إلى الأسس القائمة على القرآن والسنة المطهرة بصفتهما عماد الحضارة في الإسلام، وهو بدوره يكون العامل المحول للفكر الإنساني لتغيير المفاهيم الخاطئة حول هوية الإسلام وحقيقته، ومن ثم تكوين مفهوم واضح عنه كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك فإن هذا المبدأ لا يطعن أبداً في مبادئ العقيدة والشريعة والأخلاق في الإسلام بقدر أنه يركز على بث الوعي والإدراك التام بشمولية هذا الدين الحنيف وواقعيته، والقدرة على ترجمته وتطبيقه في كافة مجالات الحياة. كما أن هذا المبدأ يثبت أن الإسلام يمنح المسلمين القوة الدافعة لبناء حضارتهم والمضي قدماً نحو الفلاح في الدارين.
يركز مبدأ الإسلام الحضاري على التنمية وتشييد الحضارات وفق المنظور الإسلامي الشامل، ويكون ذلك بتكثيف الجهود من أجل رفع مستوى الحياة والمعيشة من خلال الإلمام والتمكن من العلوم والمعارف، والتنمية الروحية والمادية، وسيبقى تراث الحضارة الإسلامية المجيدة دافعاً وحافزاً لرقي الأمة المعاصرة في شتى نواحي الحياة.
تم وضع أسس عامة لمبدأ الإسلام الحضاري تساعد على تحويل فكر المسلمين بصورة شاملة ومنتظمة دون التأثر بعوامل قبلية أو حزبية، كما يتطلب الإسلام الحضاري تغيير نظرة المسلمين للعالم. وبناء على ذلك يتم التركيز على مفاهيم معينة كالتي تتعلق بالحياة والعمل بوصفهما عبادة، ومفهوم خلافة الإنسان لإعمار الأرض، ومسئولية تحقيق التقدم والنجاح الحضاري في كل ميادين الحياة، ولا سيما تلك المفاهيم المتمشية مع مقاصد الشريعة، ومن أبرزها ما يركز على المحافظة على الجوانب الآتية:
· الدين.
· العقل.
· النفس.
· المال.
· النسب.
· العرض.
· الأسرة.
· العدل.
· الأمن.
إن مبدأ الإسلام الحضاري الذي تتبناه الدولة سيكون دليلاً يثبت قدرة دولة ماليزيا على أن تكون نموذجاً للدولة الإسلامية المثالية، والتي تسلك مسلك الوسطية كما يدعو إليه الإسلام، وهذا يتمشى مع السياسة الحالية للدولة وكذلك المستقبلية كتطلعات عام 2020م، وسياسة تنمية الدولة وغيرها. وعلى هذا فإن مبدأ الإسلام الحضاري يؤكد على قيم ومفاهيم التنمية العالمية التي لا تتعارض بأي شكل من الأشكال مع إطار المجتمع متعدد الأجناس.
ثالثاً: التعريف
يراد بكلمة "الإسلام الحضاري" الإسلام الذي يركز على جانب التمدن وبناء الحضارة. ويقال باللغة الإنجليزية "Civilizational Islam" ويقابله باللغة العربية "الإسلام الحضاري".
التعريف الكامل لمبدأ الإسلام الحضاري هو عبارة عن "وسيلة من وسائل تطوير الإنسان والمجتمع والدولة بصورة متميزة وشمولية قائمة على أسس التمدن الإسلامي".
ويتضح من هذا التعريف ما يأتي:
1- أن مبدأ الإسلام الحضاري أكثر شمولية وكمالاً من المبادئ والمفاهيم المقتصرة على جوانب جزئية من الدين، كما هو شأنه في مفهوم الإسلام السياسي، والإسلام الصوفي وما شابه ذلك.
2- أن مبدأ الإسلام الحضاري يتمثل في التعاليم الإسلامية التي تهتم بجوانب الحياة المختلفة من أجل رفع مستوى معيشة المجتمع المتمدن، ومن ثم إعداد أبنائه لمواجهة مختلف تحديات العصر الحديث عصر ثورة الاتصالات والمعلومات والعولمة، والاقتصاد العالمي، وتيار المادية البحتة، وأزمة الحفاظ على الشخصية الذاتية، والغزو الفكري والفضائيات.
3- أن هذا المبدأ يركز على أهمية الشعائر الدينية في بناء حضارة الأمة، حيث إن الاستقرار الروحي والنظرة المتزنة للحياة والقيم العالية تعد ركيزة الحضارة الخالدة.
رابعاً: التطلع
يتطلع مبدأ الإسلام الحضاري إلى جعل ماليزيا أنموذجاً للدولة الإسلامية المثالية، أي دولة إسلامية متقدمة وفق معاييرها الخاصة. ويتمثل هذا المفهوم في كون الدولة ذات مجتمع متقدم ومثقف، وذي مهارة وكفاءة عاليتين، يتحلى أفراده بمستوى عالٍ من القيم الأخلاقية والمبادئ السامية القائمة على العقيدة والدين.
خامساً: الرسالة
تنفيذ الخطط التنموية للدولة والشعب من منطلق مفاهيم العالمية والتقدم والحضارة والتسامح والتوازن في الإسلام.
سادساً: الهدف
يهدف مبدأ الإسلام الحضاري إلى تكوين مجتمع ذي أفراد متفوقين في الجوانب الروحية والأخلاقية والفكرية والمادية، متميزين بالإبداع والابتكار معتمدين على أنفسهم محبين للتنافس الشريف ومتسمين ببعد النظر، وقادرين على مواجهة تحديات العصر بكل حكمة وعقلانية واتزان وتسامح.
سابعاً: أسس ومبادئ مفهوم الإسلام الحضاري
1- تتمثل أسس ومبادئ مفهوم الإسلام الحضاري فيما يأتي:
التقوى والإيمان بالله.
عدالة الحكومة وأمانتها.
استقلالية الشعب.
التمكن والإلمام بالعلوم والمعرفة.
الشمولية والاتزان في النهضة الاقتصادية.
الرفاه المعيشي.
حماية حقوق المرأة والأقليات.
رقي الثقافة وسمو الأخلاق.
ترسيخ القدرة الدفاعية للوطن.
2- لقد تم وضع الأسس والمبادئ السابقة بطريقة يتسنى للحكومة تطبيقها بحيث لا ينشأ عنها أي سوء فهم أو اضطراب بين أفراد مجتمع متعدد الأجناس والأديان. كما أنها تسعى إلى تقوية كيان الأمة الإسلامية وإعداد أبنائها لمواجهة تحديات العصر.
3- فيما يأتي تفصيل المبادئ والأسس السابقة:
المبدأ الأول: التقوى والإيمان بالله إن التقوى والإيمان بالله هما الركيزة الأولى لمفهوم الإسلام الحضاري، بينما يعد القرآن الكريم والسنة الشريفة مصدرين أساسيين له. وهذا التوافق بين العقيدة والشريعة والأخلاق والقيم السامية هو المنطلق الذي تقوم عليه عملية بناء الأفراد وإدارة الأنظمة والخطط وتنفيذها. كل ذلك من أجل تحقيق الرفعة للأمة والتفوق والتميز للوطن، عملاً بقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الأعراف: 96: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عليهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}.
ومن جانب آخر، فإن أساس اعتناق الدين لغير المسلمين من أبناء المجتمع من منظور الإسلام الحضاري يكون قائماً على مبدأين، أولهما: أنه لا إكراه في الدين، وثانيهما: حرية الديانة، مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة: 256: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}
وقوله تعالى في سورة الكافرون: 6: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
المبدأ الثاني: عدالة الحكومة وأمانتها العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه بقدر ما يستحقه. ويتبين هذا في قوله تعالى في سورة النحل: 90: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
وتطبيق العدالة في الإسلام لا يأخذ بعين الاعتبار الأنساب والألوان والشعوب والمراكز الاجتماعية والمادية واختلاف الأديان. وقد دلت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حيث قال الله تعالى في سورة المائدة: 8: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} رواه البخاري.
ويقصد بالأمانة أداء الواجبات المكلف بها الإنسان خير أداء. وقد أكد القرآن الكريم والسنة النبوية على ذلك. قال الله جل وعلا في سورة النساء: 58: {إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا إيمان لمن لا أمانة له} رواه أحمد.
يحرص مبدأ الإسلام الحضاري حرصاً تاماً على أن تسير قيادة الدولة في مسار العدل والأمانة في أدواء واجبها تجاه الرعية من مختلف الطبقات، حيث إن الإدارة الحكيمة المنصفة والقيادة الأمينة الحريصة على الاعتدال في نفقاتها المالية مثلاً قادرة على بناء دولة قوية ومتقدمة تحظى ببركة الله ورحمته تعالى. وقد جاء هذا الوعد من الله عز وجل في قوله تعالى في سورة سبأ: 8: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}
المبدأ الثالث: استقلالية الشعوب من أهم المبادئ التي يرتكز عليها الإسلام الحضاري هو تكوين مجتمع يتمتع باستقلالية النفس والتفكير. ومن أبرز مميزات هذا النوع من الاستقلالية الحرية في الإبداع والتفكير والابتكار. فالشعب الحر قادر على خلق الأفكار البناءة والمبتكرة التي تساهم في رقي الفرد والأسرة والمجتمع والوطن. وهذا يتفق مع قوله تعالى في سورة الإسراء: 70: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.
ينبغي أن يتحرر المجتمع في تفكيره من آثار الاستعمار القديم، وأن يكون أكثر انفتاحاً وقبولاً لتطور الآخرين وتقدمهم وازدهارهم، وأن يتجنب الجمود في التفكير، ويرفض الممارسات السلبية التي تجعل النفس مرهونة بالإرث الاستعماري.
واستقلالية النفس والفكر لا يعني أن يكون المجتمع غير خاضع للأنظمة والقوانين، وإنما ينبغي أن يستغل المجتمع هذه الاستقلالية كمسار لتكوين مجتمع راسخ الأركان وبناء دولة قوية.
وتحقيقاً لذلك يجب استغلال المواهب والقدرات الفردية إلى أبعد الحدود حتى تتعمق في النفس جذور الإسلام الحضاري كأساس للهوية الذاتية، وتتوطد العلاقات الأسرية، ويتحقق التكامل الاجتماعي، وتقوى الدولة، كل ذلك بدافع الوطنية والولاء المطلق للوطن.
والشعب الحر يكون قادرا على حسن الاختيار وخوض المنافسات الشريفة، كما يكون في الوقت نفسه منفتحا رحب الصدر لقبول العوامل والمؤثرات الخارجية بعيدا عن نطاق التقاليد والثقافة المحلية بما لا يتنافى مع القيم الأخلاقية، والاستفادة من العالم فيما من شأنه المساهمة في بناء حضارة نرجوها ونتطلع إلى تحقيقها وفق معاييرنا الخاصة.
إن حرية النفس والفكر ليس مجرد شعار أو عبارة سطحية المعنى، بل إنها تتطلب بذل التضحية الكاملة والكفاح المتواصل لتحقيق نهضة البلاد وازدهارها.
المبدأ الرابع: التمكن والإلمام بالعلوم والمعارف
إن التمكن والإلمام التام والمتكامل بالعلوم يفتح لنا آفاقا واسعة المدى في مختلف فروع المعارف الحديثة، وبالتالي تتوسع المدارك الفكرية، وتظهر بوادر قوة الشخصية. ولا شك أن هذا المبدأ يعد عاملا مهما وأساسيا لتكوين الشخصية المتوازنة والمتآلفة التي تهدف إليه السياسة التربوية الوطنية. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المبدأ في قوله تعالى في سورة المجادلة: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير).
لو تصفحنا تاريخ الأمم السالفة ذات الحضارات العريقة لوجدنا أنها لم تصل إلى هذا المستوى من الازدهار إلا بالعلم. وأوضح مثال على ذلك حضارة بغداد والأندلس، فتاريخهما المجيد دليل قاطع على أن العلم المتكامل والإلمام الشامل بالمعارف يساهمان بشكل مباشر وفعال في بناء الحضارتين الغربية والشرقية.
وفي خضم التحديات المعاصرة ودعايات العولمة فإنه من الأحرى أن تركز الاهتمامات على التمكن من العلوم، وتحقيق التطور العلمي والتكنولوجي من أجل إنتاج موارد بشرية لا تمتاز فقط بسعة الثقافة والعلوم، بل تتمتع بسمو الأخلاق والمبادئ في نفس الوقت، مما يساعد بشكل فعال في القيام بنهضة الدولة والشعب والعالم أجمع.
إن التفوق العلمي يمكن الوصول إليه بترسيخ أركان الإسلام وعلوم الفروض العينية، إلى جانب دراسة علوم فروض الكفاية. وستتمكن الدولة بذلك من إنتاج موارد بشرية مؤهلة لتبني البرامج التربوية وتنفيذ خطط التنمية للبلاد وللأمة الإسلامية عامة عن طريق نظام التربية الذي يشمل التخصص الثنائي أو المزدوج.
والإسلام يشجع على طلب المعرفة واستكشاف العلوم والتكنولوجيا والتعمق في دراستها، في حين أننا على إدراك تام بأن الأمة الإسلامية حاليا ما زالت غير مواكبة لركب التكنولوجيا والعلوم. فمن الأحرى بنا أن نكثف الجهود في مجال البحث والدراسة، ونجعلهما هدفا علميا نصبو إليه، وبالتالي تسير عملية بناء النهضة الفكرية والروحية والجسدية للأمة على أسس ودعائم تتميز بالتوازن والشمولية والتنظيم، تحقيقا لقوله تعالى في سورة آل عمران: 190: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب).
المبدأ الخامس: التوازن والشمولية في النهضة الاقتصادية
إن الإسلام يولي اهتماما خاصا بمجال الاقتصاد ولاسيما في إطار نهضة الدولة، حيث إن معالم النهضة الاقتصادية المتوازنة والشاملة تجمع بين تطبيق الممارسات الاقتصادية القائمة على أسس أخلاقية من جهة وبين القدرة على تنفيذ البرامج الاقتصادية بشكل فعال وفق التطورات والمتغيرات التي تحدث في مجال الاقتصاد المحلي والعالمي من جهة أخرى. وهذا ما يدعو إليه الإسلام في قوله تعالى في سورة الجمعة: 10: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون).
ومن أجل تحقيق ذلك فعلى كل الجهات المعنية من القطاع العام والخاص أن تقوم بأداء دورها الفعال بشكل متكامل. وقد تم التأكيد على هذا الجانب في خطة مشروع توتسيع نطاق القطاع الخاص في ماليزيا. وعلى هذا فإن كل فرد من أفراد المجتمع تحت ظل مفهوم الإسلام الحضاري ملزم بانتهاز الفرص المتاحة لتحقيق أعظم قدر من الانجازات الاقتصادية.
وستواصل الدولة بكل ما في وسعها بذل الجهود من أجل المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية من خلال تنفيذ إستراتيجيات اقتصادية معينة، منها: محو مشكلة الفقر، والاستغلال التام للقوى العاملة، واستفرار الأسعار، والنمو الاقتصادي الثابت، وهذه الإستراتيجيات الاقتصادية تتوافق تماما مع ما ينادي به مبدأ الإسلام الحضاري. وعلاوة على ذلك فإنها تساعد الدولة على استغلال أقصى حد من القوى العاملة، وبالتالي تتيح للشعب المجالات المتعددة والفرص الواسعة التي من خلالها يستطيعون إثبات قدراتهم ومواهبهم المهنية إلى أبعد الحدود. وفي نفس الحين يسعى مبدأ الإسلام الحضاري بشكل مستمر إلى التأكيد على ضرورة الارتفاع بمستوى الأداء في القطاعين العام والخاص. وينبغي تطوير نظام التربية ورفع مستوى المعاهد المهنية الوطنية من حين لآخر للتأكد من توفر ما يحتاج إليه الشعب.
ومن جانب آخر يجب أن توضع الخطط والسياسات الاقتصادية مع الأخذ بعين الاعتبار كل التحديات الاقتصادية الراهنة. وبالرغم من أن القطاع الصناعي وقطاع الخدمات يساهمان بفعالية في النمو الاقتصادي للدولة، فإنه في الوقت نفسه تولي الدولة عناية كبيرة للقطاع الزراعي ضمانا لاستقرار الدولة وأمنها، وانطلاقا من فكرة أن الإسلام نفسه يلزم حاكم الدولة على توفير المؤن الأساسية للشعب. وستستمر الجهود المبذولة لتوطير القطاع الزراعي، ولاسيما بعد التطورات العلمية التي تم إنجازها في مجال التكنولوجيا الزراعية والهندسة الجينية.
من هنا يتضح لنا أن الإسلام الحضاري يعد نظاما متكاملا، وبه تكون النهضة الاقتصادية عاملا دافعا إلى تكوين مجتمع مختصر يندفع أفراده إلى العمل وبناء الأمة.
المبدأ السادس: الرفاة المعيشي
أولى الإسلام عناية خاصة بالمستوى المعيشي للمجتمع، وكان شديد الحرص على أن تكون الحياة متميزة بالرفاهية، وقد جعل هذا الدين الحنيف تحقيق المستوى العالي والرفيع للحياة بكل جوانبها هدفا أساسيا يطمح إليه، والإسلام يوجب على الفرد طلب العلم والكفاح والجد في تحصيله، ومن ثم يكون قادرا على تحقيق النجاح في حياته الدنيوية، بينما تكون الحياة الأخروية ثمرة الرفعة والسمو الذي توصل إليه الفرد في كل مجالات الحياة بما فيها الناحية الروحية والمادية على هدي من التعاليم الإسلامية طبقا لقوله تعالى في سورة القصص: 77: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ في الأرض فسادا، إن الله لا يحب المفسدين ).
ويتحقق الرفاة المعيشي عندما تنجح الدولة في توفير ما يقي بسد الحاجات الأساسية للشعب ومنها الالتزام بالدين، وتعزيز مستوى التربية، وتوفير الأمن الغذائي، وحق تملك الأراضي، وضمان تكوين جيل جيد متميز. وقد ثبت أن الإسلام لا ينظر إلى الحياة على أنها عميقة لا حيوية فيها؛ ولذلك فإن دولتنا الحكيمة تسعى دائما إلى توفير وسد حاجيات الشعب، فهي تكثف الجهود من حين لآخر لمواكبة ركب التقدم في مختلف النواحي أملا في تحقيق أكبر الإنجازات الحضارية التي تجعلها على مستوى الدول المتقدمة في العالم.
إضافة إلى ذلك، يعطي الإسلام أولوية خاصة للروابط الأسرية، لأن الأسرة السعيدة هي اللبنة الأولى التي منها تنشأ الأجيال، ولو قامت كل أسرة بأداء وظيفتها وواجبها المطلوب، لتمكنا من تقليص نسبة كبيرة من المشكلات والأمراض الاجتماعية التي تجتاح مجتمعنا الإسلامي كل يوم.
كما اتجه اهتمام المسئولين بالمرافق والخدمات العامة في إطار تحقيق ازدهار الحياة حيث إن توفير المرافق العامة وأماكن الاستجمام تعد من الأساسيات الضرورية لبناء مجتمع صحي ونشيط. وبذلك يتضح لنا أن مبدأ الإسلام الحضاري يسعى إلى تحسين نوعية حياة أفراد المجتمع في شتى النواحي بشكل فعال ومتكامل.
المبدأ السابع: حماية حقوق المرأة والأقليات:
إن التربية والتعليم من منظور الإسلام الحضاري هي حق كل فرد من أفراد المجتمع دون تمييز أو تفريق، سواء كان من الأغلبية أو الأقلية، ومن واجب الدولة فانونا ضمان المحافظة على حقوق جميع الأفراد التي تشمل حفظ وحماية النفس والدين والمال والعرض والعقل كما هو منصوص عليه في المقاصد الشريعة الإسلامية، وعليه يحق لأي أحد إنكار هذه الحقوق بسبب الأقلية أو اختلاف الجنس ذكرا أو أنثى، ويعد ذلك مخالفة قانونية. وقد جاء ذلك تطبيقا لما في كتاب الله العزيز حيث قال تعالى في سورة الحجرات: 13:
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير).
وقد نص الدستور الفيدرالي للدولي على وجوب ضمان الحقوق والمحافظة عليها، حيث تم تخصيص قوانين الحرية الأساسية في القسم الثاني للدستور. وقد نتج إثر ذلك استحقاق المرأة والأقليات لكل الامتيازات التي يتمتع بها الرجل والأغلبية، ولهم حق المشاركة والإسهام في دفع عجلة تقدم البلاد، فتتاح لهم الفرص في الاشتراك في إدارة الدولة وتنفيذ الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية والسياسية.
وقد أبدت الحكومة الرشيدة اهتماما خاصا بالقضايا المتعلقة بحقوق المرأة حيث خصصت للمرأة الآن نطاق 30% من تحديد سياسة الدولة الوطنية.
ولقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم دائما يوصي بالمرأة خيرا منذ بداية نبوته حتى أواخر حياته عندما أكد على ذلك في خطبة حجة الوداع حيث قال صلي الله عليه وسلم:
(... اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن ألا يوطئن فراشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله وسنتي... )
ولو نظرنا إلى تاريخ بلادنا منذ الاستقلال حتى اليوم لوجدنا أن الدولة لم تهمل أبدا حقوق أي فئة من فئات شعبها، بل على العكس من ذلك فإنها تضمن لهم حماية حقوقهم -في عدة جوانب معينة- تحت ظل قوانين الدولة. وكما هو الحال في البلاد الأخرى، فإن حكومتنا الرشيدة قد خطت خطوة إيجابية بتأسيس المجلس الماليزي لحقوق الإنسان Suhakam لضمان الحفاظ على حقوق الأفراد والجماعات، كما أنها رحبت بالبيان الصادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة UNDHR فيما يتعلق بالحقوق البشرية المختلفة من بينها حقوق المرأة. ونجد أن المرأة في هذه الدولة أفضل بكثير من بنات جنسها في بعض البلدان الإسلامية الأخرى، حيث أنها تتمتع بحقوق وامتيازات معينة في ظل مبدأ الإسلام الحضاري، كما أن هناك قوانين تحمي لها هذه الحقوق، وتوجد جهات وجمعيات كثيرة تشرف على ذلك، كما يحق لها الانخراط في كل مجالات العمل والخدمات بما لا يتنافي مع قوانين الدولة. وعلاوة على ذلك فإن هناك جهات وهيئات مسئولة عن حماية هذه الحقوق والمحافظة عليها من التعرض للانتهاك، كالمحاكم التي منحت لها الحرية والسلطة المطلقة لبحث القضايا المتعلقة بذلك.
وقد شاعت ادعاءات خبيثة في كتابات الغربيين بأن الإسلام لا يولي أي اهتمام بالمرأة وبغير المسلمين من أبناء المجتمع. هنا تبرز أهمية التأكيد على أن الحقوق البشرية الأساسية تشمل كل الفئات بغض النظر عن الأديان والأجناس والأنواع.
والتاريخ الإسلامي زاخر بالأمثلة والبراهين التي تثبت أن غير المسلمين كانت لهم مكانة في حكم البلاد، وأن الحاكم كان لا ينكر حقوقهم، بل منحهم حق حرية الديانة، وبوأهم مراكز هامة في الهيكل الإداري للحكومة، فكان منهم الوزراء وكبار المسئولين. أي إن التاريخ الإسلامي أثبت لنا أن غير المسلمين كانوا يحظون بحياة سعيدة وآمنة تحت ظل القيادة الإسلامية، ومرجع ذلك ضمان الحقوق وعدالة الحكومة، وهذا هو ما تسير عليه دولتنا اليوم.
إن الإسلام يقوم على مبادئ راسخة تتألف من العدل والحكمة وأداء الأمانة وتحمل المسئولية تجاه كل أفراد المجتمع بمختلف الطبقات، وبغض النظر عن الأقوام والشعوب والأنساب والأديان، دون التقليل من شأن أي فئة من الفئات، والقانون بدوره يحمي جميع الحقوق، فحين تقوم المحاكم والهيئات المعنية بدورها في حل القضايا المتعلقة بهذه الحقوق عند حدوث أي نزاع حوله، وذلك عملا بقول الله تعالى في سورة النساء: 58:
(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعما يعظكم به، إن الله كان سميعا بصيرا ).
المبدأ الثامن: حسن الأخلاق ورقي الثقافة
من أهم الدعائم التي تقوم عليها حضارة الأمة أو الدولة رفعة الثقافة وحسن الأخلاق، والذي بهما تتكون الهوية الذاتية للدولة؛ لذلك ينبغي الحفاظ على ميزة تعدد الثقافات والأديان من منطلق التمسك بالقيم الأخلاقية السامية لما لها من أثر مباشر في سعادة الأمة وأمن المجتمع متعدد الأجناس، كما أنها ترفع من شأن الشعب ومكانته ليكون موضع إجلال واحترام من الآخرين. قال تعالى بشأن ذلك:
(... وقولوا للناس حسنا.... )
وقال الرسول صلي الله عليه وسلم: ( الإيمان حسن الخلق ) وقال ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).
بذلك نجد أن النهضة الاقتصادية والتكنولوجية في ماليزيا تسير في اتجاه متواز مع رقي الثقافة وسمو الأخلاق لدي شعب متعدد الأقوام. إلا أن انتشار بعض الأمراض الاجتماعية كالانحلال الخلقي، وضعف التواصل والتكامل الثقافي، وعجم الإقبال على العلم لدى بعض أبناء شعب ماليزيا اليوم يمثل أكبر التحديات التي تقف في وجه تطبيق مبدأ الإسلام الحضاري.
إن النهضة الاقتصادية والعلمية من منظور الحضارة الإسلامية ينبغي أن تنبني على دعائم أخلاقية وثقافية سامية، وهذا لا يتحقق طالما هناك فاصل يفرق بين التطور المادي والسمو الأخلاقي. وقد ضرب لنا التاريخ مثالا واضحا من خلال الإمبراطورية الرومانية التي عجزت في النهاية عن الصمود جراء الانهيار الخلقي الذي أصاب كيان مجتمعها.
وبما أن الفن عنصر من عناصر الثقافة فإنه ينبغي أن يكون موافقا للقيم الأخلاقية العالية مما يساهم بشكل إيجابي في بناء ثقافة رفيعة للدولة.
المبدأ التاسع: المحافظة على الطبيعة
لا تقتصر حياة الإنسان على الروابط والعلاقات بين الأفراد فحسب، وإنما يرتبط كذلك بالبيئة من حوله، وما السعادة التي ينعم بها في الحقيقة إلا نتيجة تآلفه وانسجامه مع غيره من المخلوقات في الطبيعة. والإنسان بطبعه يميل إلى السيطرة على الطبيعة والمبالغة في استغلال مواردها بواسطة العلوم والتكنولوجيا، وهذا يقود إلى الإخلال بتوازن الطبيعة، فتحدث من جرائها الانهيارات الأرضية، والفيضانات، وارتفاع درجة الحرارة، والأعاصير والعواصف المطرية، والتلوث البيئي، وانقراض النباتات والحيوانات، وغير ذلك. كل هذه الظواهر والأحداث الطبيعية تدل على الخلل الذي طرأ على نظام الطبيعة، وما هو إلا نتيجة التدخل البشري.
وقد بذلت جهود جبارة على المستوى العالمي حيث تم تنفيذ عدة قوانين بيئية من قبل منظمة حماية البيئة التابعة لهيئة الأمم المتحدة UNDP في عدة بيانات أصدرتها من أجل التأكد من تنظيم المشاريع التنموية. وقد شاركت ماليزيا في تأييد هذه البيانات ووافقت عليها، منها بيان ريو دي جانيريو Reo De Janerio عام 1993م، وبروتوكول كيوتو Kyoto Protokol الصادر عام 1997 م، كما أن ماليزيا نفسها أصدرت بيان ( لنكاوي ) لحماية البيئة للتأكد من تنفيذ المشاريع بشكل منتظم ووفقا للقيود التي تهدف إلى المحافظة على البيئة والطبيعة.
ومن أجل معالجة المشاكل البيئية ينبغي الإشراف على التعامل مع البيئة بطريقة أكثر توازنا وشمولية، وهو يبدأ من التنمية الفردية المستندة على دعائم أخلاقية، وغرس الشعور بحب الطبيعة والمسئولية تجاه حمايتها، وتنمية البيئة وفق تخطيط مسبق ومحكم، إلى جانب التطور العلمي والتكنولوجي الذي ينطلق من أسس دينية وقيمية، وإجراء البحوث، والاستمرار في المحافظة على جمال الطبيعة، ومراقبة ما يطرأ عليها من خلل حتى لا تتسبب المشاريع التي يقوم بها الإنسان إلى الإضرار بها والإخلال بنظامها، مما قد يؤثر ذلك على سير دورة الحياة بشكل عام.
وعلى أساس ذلك فإن الإسلام الحضاري يسعى إلى إيجاد التوافق والتآلف بين الإنسان والطبيعة والبيئة من حوله، إلى جانب تحقيق التطور والازدهار.
المبدأ العاشر: ترسيخ القدرة الدفاعية للوطن:
إن مفهوم القدرة الدفاعية للوطن من منظور الإسلام الحضاري لا يقتصر على القوة الحربية وحداثة الإسلام فحسب، وإنما يتجاوز ذلك ليشمل القوة الذاتية والجسمية والمعنوية. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة الأنفال: 60:
( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون).
إن تقدم أي شعب من الشعوب يتطلب منه القدرة على الدفاع عن الوطن من غزو الأعداء، ويكون ذلك بترسيخ القوة العسكرية وتزويدها بالمعدات والأسلحة الحربية بهدف الدفاع عن النفس والوطن، لا الهجوم على الآخرين وغزو بلادهم. إن قوة خط الدفاع المدني تضمن للبلاد الاستقرار واستتباب الأمن والسلامة، مما يتيح للدولة مجالا لتحريك عجلة التطور والنهضة بشكل دءوب.
إن العالم اليوم يشهد تغيرات وانقلابات في الساحة السياسية العالمية، وتتعرض بعض الأمم لمختلف الضغوط والإهانات السياسية. وكل هذه الأحداث تشعرنا بضرورة تعزيز القوة الحربية والتمكن من كل وسائل الدفاع عن النفس، وعلى الدولة أن تكون على استعداد دائم بخطط وبرامج بعيدة المدى تهدف إلى أن تغرس في نفوس الشباب والناشئين الشعور بالمسئولية للقيام والصمود في وجه الأعداء في سبيل الدفاع عن العرض والشعب والوطن وبذلك فإن مبدأ الإسلام الحضاري يسعى إلى إعداد أمة قوية قادرة على الصمود أمام تيار التحديات العالمية المعاصرة.
ثامنا: الخاتمة:
إن الخطوة التي اتخذتها الحكومة الرشيدة في تبني مبدأ الإسلام الحضاري جاءت في الوقت المناسب، والوقت الذي تواجد فيه الأمة الإسلامية مختلف التغيرات الراهنة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية والعلمية والتكنولوجية وغيرها. وعليه ينبغي وضع خطط وإستراتيجيات واضحة الأبعاد مع بذل جهود متواصلة ودءوبة لتحقيق النجاح والتميز. كما يتطلب ذلك تصحيح الأفكار الخاطئة ورفض كل ما يسبب اللبس ويهدف إلى بلبلة أفكار أبناء المجتمع المسلم والإساءة إلى الإسلام حتى يتسنى تكوين الفكر الإسلامي السليم والهوية الذاتية المتميزة للمجتمع. إن تطبيق مبدأ الإسلام الحضاري في ماليزيا له دور كبير في توسيع نطاق الفكر الإسلامي وتعميق المفاهيم حول الغاية الحقيقية من الحياة، إلى جانب استيعاب التطلعات التي تطمح إليها قيادة الدولة في سبيل نهضة الأمة وبناء الوطن وتنميته إلى أعلى مستويات التفوق والامتياز طلبا لمرضاة الله سبحانه وتعالى. قال الله عز وجل في محكم تنزيله في سورة البقرة: 201:
(ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).[/size ] | |
|
أم نور و مريم الادارة
عـدد المشارڪات : 5016 تاريخ التسجيل : 04/01/2011 الموقع : في قلب زوجي العمل/الترفيه : طبيبة زوجي و أولادي مزاجك : على حسب ميزاج زوجي
| موضوع: رد: بيان مفهوم الإسلام الحضاري الخميس سبتمبر 15, 2011 1:06 am | |
| | |
|