السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مفهوم القراءة
- أجمع المعجميون العرب على أن القراءة أحد المصادر الثلاثة لفعل (قرأ),الذي هو من بابي فتح ونصر جميعا.وهي القرء والقراءة والقرآن وربما قالوا:اقترأ اقتراء.
وقد ورد لفظ القراءة في النصوص القديمة بمعاني المعرفة والعلم والخير والهدى والايمان .
ويعد المصطلح النقدي للقراءة من المصطلحات التي ظهرت في القرن العشرين في constance بألمانيا الاتحادية على يد الناقدين (هانزر روبرت ياوس) و(لفجانغ ايزر),حيث يشكلان اتجاهين في نظرية القراءة أحدهما يسمى نظرية التأثير والاتصال ويمثله آيزر الذي يؤكد على دور القارىء والنص معا أما الثاني فيمثله ياوس وهو الاتجاه المعروف ب(نظرية التلقي او التقبل) فهو يؤكد على ابداع القارىء في خلق المعنى فنلاحظ أن القارىء قاسم مشترك بين كلا الناقدين
أما قبل القرن العشرين كان النقاد يمارسون القراءة حقا,ولكن تحت مصطلحات أخرى فهو المفهوم الذي حاول أن يلغي مصطلح النقد بازاحته من على عرشه الكبير ليتبوأ هو مكانه.
فالقراءة هي متابعة جمالية وفنية وتقنية لنص من النصوص الأدبية من خلال تحليل بناءه اللغوي بركوب اجراءات ملائمة تليق بمضمون النص وشكله.
نظرية القراءة عند العرب:
لقد كانت القراءة عند العرب القدماء تتموقع في ثلاثة مستويات:المستوى اللغوي والنحوي والأسلوبي بحيث كان القارىء أو محلل النص يطلقون عليه الشارح ,فيعمد الى شرح الألفاظ الغريبة وفك المعاني التي يراها القارىء مستعصية على المتلقي في النص المطروح. ثم في المستوى الثاني يقوم بقراءة النص المطروح فيخرجه تخريجا نحويا مقدرا ومعربا وكان هذا الأخير يكمل شرح الألفاظ .وفي المستوى الثالث كان يعمد الى نثر البيت وتلخيصه وكانت النصوص المطروحة للتحليل في القرون الأولى للهجرة منحصر في الشعر ثم توسعت للنثر خصوصا في المقامات والخطب.
كما أن معظم الذين تناولوا النصوص الشعرية القديمة هم علماء لغة وفقهاء وأصوليين وبلاغيين خصوصا لدى ثلاثة من أكابرهم,أمثال الزوزني في شرح المعلقات السبع,والمرزوني في شرح حماسة أبي تمام,والتبريزي في شرح سقط الزند لأبي العلاء المعري.
ومن أمثال النصوص النثرية نجد مقامات الهمداني لمحمد عبده والحريري ,وكنصوص الخطب مثل شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد...
كانت القراءة العربية القديمة لاتتجاوز مستويات معينة وهي:
1/ كانت القراءة غالبا ما تنهض على شيء من أساس التخريج النحوي.
2/ كانت القراءة في الثرات العربي الاسلامي تقوم على تأويل معاني الألفاظ والاجتهاد في حصر دلالتها المعجمية.
3/ كانت أيضا قائمة على قراءة سابقة كان ينهض على الذوق الخالص وعلى المقدرة الذاتية.
ولذلك يمثل كل هذا تراكما معرفيا,بنى عليه النقاد العرب جهودهم بالاضافة الى تلقيح تلك الجهود بالنظريات والتجارب الغربية في القرن العشرين.
أما عبد السلام المسدي يقول
ان مفهوم القراءة تتولد منه حقول دلالية متفاوتة تبدأ من أبسط عمليات النقد وسواء في الاستمتاع والتذوق أو في الموازنة والتثمين,وترتقي الى صيغ التجريد في المبادىء والأحكام وبينهما مراتب متباينة تبدأ من أيسر السبل, بالنقل والترجمة وتنتهي الى استقراء المواريث واتباعها بمجهر الفكر الحديث.)
أما عند عبد الملك مرتاض يتجلى عنده الفعل المختص في القراءة, في التوقف لدى كل لفظة /موضوع فيسعى الى فك رموزها .
نظرية القراءة عند الغر ب:
ان التطلع لتأسيس نظرية للقراءة ونظرية للشعر ونظرية للكتابة ونظرية للنقد ونظرية للتناص, المدرسة الحداثية الغربية في فرنسا خصوصا التي اجتهدت في أن تطور هذا المسعى فتحاول البلوغ به الى أقصى الحدود الممكنة.والذي يقرأ لميشال فوكو وبارط وقريماص وطودوروف وجينات وسواهم ,يدرك مدى الجهد الذي كان يبذله هؤولاء لعلمنة الأدب واقامته على أسس جديدة,ولقد ولّد هذا المفهوم في النصف الأخير من القرن العشرين اضطراب في التصور واختلاف في الادراك.
فأمر القراءة لدى قريماس يقوم على شيء مما يمكن أن نطلق عليه الميكانيكية اللسانية,على حين أن بارط ينزع بالقراءة نحو الابداعية فيتمثلها ابداعا آخر يكتب من حول ابداع أول,في حين ميشال فوكو يجنح بالقراءة جنوحا أدبيا وفلسفيا وذلك على نحو يجعل القراءة والكتابة تنهضان لديه على أن اللغة هي التي تتحدث في أي ابداع وفي أي كتاب وانما التفكير الحقيقي هو تفكير اللغة وحدها لا الأنا.
أنواع القراءة: (1)
1- القراءة الاستهلاكية: هي القراءة التي يقرأها عامة القراء في العالم.وهم مستهلكون للنص أساسا والذين ينتجون منه فهم قليلون.
القراءة الاستطلاعية: هي قراءة المحترفين حيث يلمون بالنص الأدبي الماما أوليا من أجل أن يكتبوا عنه.
القراءة المنتجة: تقوم على قراءة النص من أجل الكتابة عنه, وهي قراءة لايمكن أن تستقيم لأي من الناس بمجرد مرة واحدة لنص من النصوص بل لامناص من القراءة واستعمال كل أدوات القراءة المتطورة.
مستويات القراءة: (2)
- ان قراءة أي نص من النصوص يستدعي جملة من المستويات:
1/ المستوى اللغوي: ونستعمل هنا مصطلح التفكيك لحل مفردات اللغة ونثر ألفاظها الى حالتها الأولى .
وهذا الاجراء كان قد جاء به كلود ليفي سطروس وتبعه في ذلك رولان بارط من بعض الوجوه في قراءة رواية (سارازين) لبالزاك , ومثل هذا السعي في قراءة نص شعري سيحملنا على أن نلم بالمادة اللغوية الحقيقية التي اصطنعها الناص في نسج نصه وهذا الاجراء يوضح لنا ما تكرر من الألفاظ وما يتكرر.وأيضا يتيح لنا تحديد مقدار المادة اللغوية المكتوب بها النص الشعري من وجهة وطبيعة هذه المادة ومواصفاتها من وجهة أخرى.
2/ المستوى الحيزي: يعني أن معظم العناصر اللغوية أو السمات اللفظية هن حاملات للمعاني الحيزية بشكل او باخر.
مثلا
الشجرة) استعمالها في النص يبين لنا هل هي تحيل على شجرة مثمرة أو عقيمة,وهل هي شجرة كبيرة أو صغيرة تم هل كانت الشجرة قرونية أي هي قديمة طالت أغصانها وتجدرت جذورها أم كانت مجرد شجرة ناشئة ...
3/ المستوى الزمني: قد يكون الزمن أسبق من الحيز وجودا وقد لايكون,وذلك على أساس التلازم بينهما من النشأة الأولى من أجل ذلك فلا الزمن ولا الحيز يستطيع أحدهما أن يتخذ كينونة الا من وجود الآخر,وفي اندماج تام معه فمثلا ( شجرة) فنحاول التركيز في تمثيلنا بالشجرة في الزمن أيضا كما ركزنا عليها في الحيز لتوكيد الاطار وتقريب التصور من الأذهان فان ذلك يعني اشتمالها على شيء من الزمن حتما.
4/ المستوى الايقاعي: يقصد بهذا المستوى من القراءة الى التركيب الايقاعي الذي يعني لدينا شعرية الايقاع وجماليته.
5/ المستوى التشاكلي: ومصطلح التشاكلي كما في بناء الكلام العربي هو تبادل العلاقات الشكلية بين الطرفين,أوجملة أطراف وهذا الاجراء يقتضي تفكيك النص المقروء الى وحدات بيتا بيتا أو بيتين بيتين لتسيير الاجراء والتمكن من تغطية النص بالتحليل الصارم.
قراءة القراءة:
- اصطنع عبد الملك مرتاض( قراءة القراءة) للدلالة على النشاط القرائي الذي تناول قراءة أخرى وجعله في مقابل( نقد النقد) الذي اتخذه تودوروف عنوانا لواحد من كتبه .
ولا تسعى قراءة القراءة الى اصدار الأحكام وتقويم القراءات, لكنها تسعى الى اعانة القراء على تلمس مواطن الجدة في القراءة الأولى .
ثم التمس مرتاض لهذا المصطلح بعدا تراثيا لأنه وجد العرب الأوائل قد مارسوا شيئا من قراءة القراءة تحت أشكال مختلفة, التي منها كتاب الشعر الجاهلي لطه حسين وهي ردود تأرجحت بين الاتزان العلمي الرصين والقذف الهجائي المتين .
سلبياتها:
- نظرية القراءة لا تختلف في جوهرها كثيرا عن المنهج التاريخي .
- نظرية القراءة ليست في حقيقتها سوى دعوة اتجاه النقد الجديد الذي تزياّ بزي جديد مستبدلة القارىء بالمبدع وآليات القراءة والتأ ويل بآليات الابداع والتشكيل.
- اعلائها لسلطة القارىء, واطلاقها حريته في مباشرة النص.
: