المقـدمة :
الحمد لله رب العالمينوصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإنّ الارتباط الوثيق ، والاتصال العميق بالتراثالأدبي في عصور ازدهاره ، وإدامة الاطلاع والتنقيب في كنوز ذلك التراث وجواهره منأعظم الأمور التي تسهم بشكل كبير في بناء قاعدة متينة يقف عليها طالب الأدبوالمتخصص فيه ، وتؤثر تأثيراً بالغاً في تكوين شخصيته العلمية ؛ ذلك أنها تمدهبالمعرفة الأصيلة ، وتأخذ بيده إلى حيث المنابع الأولى ، التي تدفقت منها جداولالأدب زاخرة قوية .
ومن صور هذا الاتصال الجميلبالتراث البحث في أشعار القبائل العربية جمعاً وتحقيقاً ؛ ذلك أنه يتيح للباحثالاطلاع على معظم مصادر الأدب العربي ، والتعرف إليها عن كثب ، بل يتعدى ذلك إلىكتب التاريـخ والسير والتراجم والأنساب ، ومعاجم البلدان وغيرها ، وبالتالي يمكنالباحث من الإلمام بقدر لا بأس به من أخبار العرب ، ووقائعها ، وأنسابها ، وأيامها، ومنازل القبائل ، وما إلى ذلك ، كما تقتضي طبيعة هذا اللون من البحوث أن يكونالباحث على اتصال مستمر بمعاجم اللغة لشرح مفردات هذا الشعر ، وتفسير غامضه ،وبالتالي تزداد ثروته اللغوية ويشدو شيئاً من غريب اللغة ، إضافة إلى أن مداومةالاطلاع والقراءة في النماذج الأصيلة الجيدة من الشعر العربي مما يرتقي بأسلوبالباحث ويزيده فصاحة وقدرة على التعبير ، ويجنبه الركاكة والضعف والهجنة ، كما أنفي جمع أشعار القبائل ودراستها تنويهاً ببعض الشعراء الذين لم ينالوا حظهم منالشهرة ، مع أن لهم أشعاراً كثيرة على جانب من الجودة والإتقان ، وتنويها ببعضالقصائد والمقطعات المتميزة لبعض الشعراء المقلّين ، ثم إن وضع هذا الشعر مجموعاًبين دفتي كتاب يعد إنجازاً يخدم الباحثين في تاريخ هذه القبائل والمهتمين بأعلامهاوأدبها .
وقد وقع اختياري على شعر بني عمرو بن تميممن الجاهلية وحتى منتصف القرن الثاني الهجري ؛ لأني رأيت هذا الشعر جديراً بالجمعوالدراسة ؛ ذلك أن معظم شعراء هذه القبيلة مقلّون أو مغمورون ، ولبعضهم أشعار تستحقالإشادة والتنويه بها ، ولا أزعم أن هذه القبيلة تتميز عن غيرها من قبائل العرببكثرة الشعراء السابقين المبرزين ، ولكني وجدت في هذا الشعر سمات وخصائص مشتركة ممايجعله جديراً بالدراسة لمعرفة هذه الخصائص والسمات ، ثم إن أهمية هذا الشعر تنبع منالأهمية ذاتها التي يتميز بها شعر القبائل والتي تحدثنا عنها آنفاًَ وقد جعلت المدةالزمنية لهذا البحث من العصر الجاهلي حتى منتصف القرن الثاني الهجري ، بالرغم من أنالدكتور عبدالحميد المعيني قد جمع أشعار بني تميم في العصر الجاهلي ، إلا أنني عثرتعلى أشعار لبني عمرو ببطونهم المختلفة لم يجمعها الدكتور المعيني فيما جمع من شعربني تميم ضمن بحثه المشار إليه ، ثم إن الدكتور المعيني لم يدرس هذا الشعر ، وإنماجمعه فقط ، وبالتالي فجميع هذا الشعر مجال للدراسة والتعرفعلى خصائصه .
نبذة مختصرة عن العصر الجاهلي :
في العصرالجاهلي
أمرؤالقيس :
هو حندج بن حجر (497-545) ميلاديمن أشهر شعراء العرب . كان أبوه ملك أسد وغطفان، وأمه أخت المهلهل الزير الشاعرالبطل المشهور. أشتهر بلقبه"امرؤ القيس" وبـ "الملك الضليل" لاضطراب أمره طولحياته، وبــ"ذي القروح" لما أصابه في مرض موته. كان محبا للهو واللعب ، مولعابمغازلة النساء ومفاكهتهن . ومن جميل شعره في الغزل نقتطف الابياتالتالية :
عنتر بن شداد: ؛؛؛
أحد أبطال العرب وشعرائهمالمشهورين (نحو 600) م كانت أمه أمة حبشية ، فسرى إليه السواد منها . كان أحسنالعرب شيمة وأعزهم نفسا . يوصف بالحلم على شدة بطشه . أحب عبلى ابنة عمه ، ولاقى فيسبيلها ضروبا من المرارة والعذاب ، بسبب لونه ، وعدم تمتعه بحريته في بداية حياته ،والأسباب عائلية اجتماعية . قال في حبها قصائد غزلية خالدة.
المنحلاليشكري :
هو المنحل بن مسعود بن عامر (نحو 603 )م أشهر شعره رائيتتها . قالهافي "هند" بنت عمرو بن هند، فلما عرف أبوها بأمره قتله . وضرب العرب به المثل في الغائب الذي لا يرجى إيابه ،يقولون :" لا أفعله حتى يؤوب المنحل "
مظاهر الحياة العقلية فيالعصر الجاهلي :
ثم تحدث عن مظهر عن آخر من مظاهرالعربية، لاحظه بعض المستشرقين و وافقهم هو عليه، هو: إن طبيعة العقل العربي لاتنظر إلى الأشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك. فالعربي لم ينظر إلىالعلم نظرة عامة شاملة كما فعل اليوناني، كان يطوف فيما حوله؛ فإذا رأى منظرا خاصاأعجبه تحرك له، و جاس بالبيت أو الأبيات من الشعر أو الحكمة أو المثل. "فأما نظرةشاملة وتحليل دقيق لأسسه وعوارضه فذلك ما لا يتفق والعقل العربي.
وفوق هذا هوإذا نظر إلى الشيء الواحد لا يستغرقه بفكره، بل يقف فيه على مواطن خاصة تستثيرعجبه، فهو إذا وقف أمام شجرة، لا ينظر إليها ككل، إنما يستوقف نظره شيء خاص فيها،كاستواء ساقها أو جمال أغصانها،
و إذا كان أمام بستان، لا يحيطه بنظره، ولايلتقطه ذهنه كما تلتقطه "الفوتوغرافيا"، إنما يكون كالنحلة، يطير من زهرة إلى زهرة،فيرتشف من كل رشفة". إلى أن قال: "هذه الخاصة في العقل العربي هي السر الذي يكشف ماترى في أدب العرب - حتى في العصور الإسلامية - من نقص وما ترى فيه من جمال".
وقدخلص من بحثه، إلى أن هذا النوع من النظر الذي نجده عند العربي، هو طور طبيعي تمر بهالأمم جميعاً في أثناء سيرها إلى الكمال،
نشاً من البيئات الطبيعية والاجتماعيةالتي عاش فيها العرب، وهو ليس إلا وراثة لنتائج هذه البيئات، "ولو كانت هنالك أيةأمة أخرى في مثل بيئتهم، لكان لها مثل عقليتهم،
و أكبر دليل على ذلك ما يقررهالباحثون من الشبه القوي في الأخلاق والعقليات بين الأمم التي تعيش في بيئاتمتشابهة أو متقاربة، وإذ كان العرب سكان صحارى، كان لهم شبه كبير بسكان الصحارى فيالبقاع الأخرى من حيث العقل والخلق".
أما العوامل التي عملت في تكوين العقليةالعربية وفي تكييفها بالشكل الذي ذكره، فهي عاملان قويان. هما: البيئة الطبيعية،وعنى بها ما يحيط بالشعب طبيعيا من جبال وانهار وصحراء وغير ذلك،
والبيئةالاجتماعية، وأراد بها ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحوذلك. وليس أحد العاملين وحده هو المؤثر في العقلية.
وحصر أحمد أمين مظاهر الحياةالعقلية في الجاهلية في الأمور التالية: اللغة والشعر والأمثال والقصص. وتكلم علىكل مظهر من هذه المظاهر وجاء بأمثلة استدل بها ما ذهب إليه.
والحدود التي وضعهاأحمد أمين للعقلية العربية الجاهلية، هي حدود عامة، جعلها تنطبق على عقلية أهلالوبر وعقلية أهل المدر، لم يفرق فيها بين عقلية من عقلية الجماعتين.
وقد كونهاورسمها من دراساته لما ورد في المؤلفات الإسلامية من أمور لها صلة بالحياة العقليةومن مطالعاته لما أورده "أوليري" "وبراون" وأمثالهما عن العقلية العربية،
ومنآرائه وملاحظاته لمشكلات العالم العربي ولوضع العرب في الزمن الحاضر. والحدودالمذكورة هي صورة متقاربة مع الصورة التي يرسمها العلماء المشتغلون بالسامية عادةعن العقلية السامية،
وهي مثلها أيضا مستمدة من آراء وملاحظات وأوصاف عامةشاملة، ولم تستند إلى بحوث علمية ودراسات مختبرية، لذا فأنني لا أستطيع أن أقول أكرمما قلته بالنسبة إلى تحديد العقلية الساميّة، من وجوب التريث والاستمرار في البحثومن ضرورة تجنب التعميم والاستعجال في إعطاء الأحكام.
وتقوم نظرية أحمد أمين فيالعقلية العربية على أساس إنها حاصل شيئين وخلاصة عاملين، أثرا مجتمعين في العربوكوّنا فيهما هذه العقلية التي حددها ورسم معالمها في النعوت المذكورة.
والعاملان في رأيه هما: البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية. وعنى بالبيئةالطبيعية ما يحيط بالشعب طبيعياً من جبال وأنهار وصحراء ونحو ذلك،
وبالبيئةالاجتماعية ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وهمامعاً مجتمعين غير منفصلين، أثّرا في تلك العقلية. ولهذا رفض أن تكون تلك العقليةحاصل البيئة الطبيعية وحدها، أو حاصل البيئة الاجتماعية وحدها.
وخطاً من أنكرأثر البيئة الطبيعية في تكوين العقلية ومن هنا انتقد "هيكل" "Heagel"، لأنه أنكر ما للبيئة الطبيعية من أثر في تكوين العقلي اليوناني،وحجة "هيكل" أنه لو كان للبيئة الطبيعية أثر في تكوين العقليات،
لبان ذلك فيعقلية الأتراك الذين احتلوا أرض اليونان وعاشوا في بلادهم، ولكنهم لم يكتسبوا معذلك عقلهم ولم تكن لهم قابليتهم ولا ثقافتهم.
وردّ "أحمد أمين" عليه هو أن "ذلكيكون صحيحاً لو كانت البيئة الطبيعية هي المؤثر الوحيد، إذن لكان مثل العقلاليوناني يوجد حيث يوجد إقليمه،
و ينعدم حيث ينعدم، أما والعقل اليوناني نتيجةعاملين، فوجود جزء العلة لا يستلزم وجود المعلول".
وأثر البيئة الطبيعية فيالعرب، أنها جعلت بلادهم بقعة صحراوية تصهرها الشمس، ويقل فيها الماء، ويجف الهواء،وهي أمور لم تسمح للنبات أن يكثر، ولا للمزروعات أن تنمو، آلا كَلأً مبعثراً هناوهناك،
وأنواعاً من الأشجار والنبات مفرقة استطاعت أن تتحمل الصيف القائظ،والجوّ الجاف، فهزلت حيواناتهم، وتحلت أجسامهم، وهي كذلك أضعفت فيها حركة المرور،فلم يستطع السير فيها إلا الجمل،
فصعب على المدنيات المجاورة من فرس وروم أنتستعمر الجزيرة، وتفيض عليها من ثقافتها، اللهم إلا ما تسرب منها في مجار ضيقةمعوجة عن طرق مختلفة".
وأثر آخر كان لهذه البيئة الطبيعية في العرب، هو أنهاأثرت في النفوس فجعلتها تشعر أنها وحدها تجاه طبيعة قاسية، تقابلها وجهاً لوجه، لاحول لها ولا قوة، لا مزروعات واسعة ولا أشجار باسقة،
تطلع الشمس فلا ظل لها،ويطلع القمر والنجوم فلا حائل، تبعث الشمس أشعتها المحرقة القاسية فتصيب أعماقنخاعه، ويسطع القمر فيرسل أشعته الفضية الوادعة فتبر لبّه، وتتألق النجوم في السماءفتمتلك عليه نفسه، وتعطف الرياح العاتية فتدمر كل ما أتت عليه.
أمام هذهالطبيعة القوية، والطبيعة الجميلة، والطبيعة القاسية، تهرع النفوس الحساسة إلى رحمنرحيم، والى بارئ مصور والى حفيظ مغيث- إلى الله-. ولعل هذا هو السر في الدياناتالثلاث التي يدين بها أكثر العالم، وهي اليهودية والنصرانية والإسلام نبعث من صحراءسيناء وفلسطين وصحراء العرب.
والبيئة الطبيعية أيضاً، هي التي أثرت-علىرأيه-في طبع العربي فجعلته كثيباُ صارماً يغلب عليه الوجد، موسيقاه ذات نغمة واحدةمتكررة عابسة حزينة، ولغته غنية بالألفاظ، إذا كانت تلك الألفاظ من ضروريات الحياةفي المعيشة البدوية، وشعره ذو حدود معينة مرسومة، وقوانينه تقاليد القبيلة وعرفالناس، وهي التي جعلته كريماً على فقره، يبذل نفسه في سبيل الدفاع عن حمى قبيلته.
كل هذه وأمثالها من صفات ذكرها وشرحها هي في رأيه من خلق هذه البيئة الطبيعيةالتي جعلت لجزيرة العرب وضعاً خاصاً ومن أهلها جماعة امتازت عن بقية الناسبالمميزات المذكورة.
وقد استمر "أحمد أمين"، في شرح أثر البيئة الطبيعية فيعقلية العرب وفي مظاهر تلك العقلية التي حصرها كما ذكرت في اللغة والشعر والأمثالوالقصص، حتى انتهى من الفصول التي خصصها في تلك العقلية،
أما أثر البيئةالاجتماعية التي هي في نظره شريكة للبيئة الطبيعية في عملها وفعلها في العقليةالجاهلية وفي كل عقلية من العقليات، فلم يتحدث عنه ولم يشر إلى فعله،
ولم يتكلمعلى أنواع تلك البيئة ومقوماتها التي ذكرها في أثناء تعريفه لها، وهي: "ما يحيطبالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحوذلك"، ثم خلص من بحثه عنالعقلية العربية وعن مظاهرها وكأنه نسي ما نسبه إلى العامل الثاني من فعل،
بلالذي رأيته وفهمته من خلال ما كتبه انه أرجع ما يجب إرجاعه إلى عامل البيئةالاجتماعية - على حد قوله - إلى فعل عامل البيئة الطبيعية وأثرها في عقلية العربالجاهليين. وهكذا صارت البيئة الطبيعية هي العامل الأول الفعال في تكوين تلكالعقلية، وحرمنا بذلك من الوقوف على أمثلته لتأثر عامل البيئة الاجتماعية في تكوينعقلية الجاهليين.
وأعتقد إن "أحمد أمين" لو كان قد وقف على ما كتب فيالألمانية أو الفرنسية أو الإنكليزية عن تأريخ اليمن القديم المستمد من المسند، ولوكان قد وقف على ترجمات كتابات المسند أو الكتابات الثمودية والصفوية واللحيانية،لما كان قد أهمل الإشارة إلى أصحاب تلك الكتابات، ولعدٌل حتماً في حدود تعريفهللعقلية العربية،
ولأفرز صفحة أو أكثر إلى أثر طبيعة أرض اليمن وحضرموت فيعقلية أهل اليمن وفي تكوين حضارتهم وثقافتهم، فإن فيما ذكره في فصوله عن العقليةالعربية الجاهلية ما بحب رفعه وحذفه بالنسبة إلى أهل اليمن وأعاليالحجاز
اللغة العربية في العصرالجاهلي:
لا يختلف إثنان في أنّاللغة العربية كانت معروفة في العصر الجاهلي , وأنّ لغتنا الجميلة كانت تشغل بالكثير من المفكرين والشعراء والخطباء , يلتمسون ودّها , وينظمون دررها , ويغترفون مننبع معانيها الثرّ أجمل القصائد , وأعذب الألحان . ومن يراجع معجم مفرداتها في ذلكالعصر , يجدهُ من أغنى المعاجم من حيث وفرة الكلمات وكثرة التشابيه , وتعدد الاسماءللمسمى الواحد .
ومنحسن الحظ أن يحفظ لنا التاريخ شيئاً غير يسير من آداب تلك الفترة وأشعارها , لعلأهمها تلك القصائد الطويلة التي تسمى بالمعلقات , وقد ذهب بعض الرواة إلى أنهاقصائد كُتبت في القباطيّ بماء الذهب وعُلّقت على أستار الكعبة . إضافةً إلى العديدمن أشعارهم وخطبهم , وأمثالهم , وأخبار حروبهم ووقائعهم التي تحفظها لنا أُمهاتالكتب من كتب الأدب القديمة .
وبرغم وفرة ما وصل الينا من أدب الجاهليين وشعرهم , إلا أن الضياعقد أتى على الكثير من آدابهم وأخبارهم , وخاصةً القديمة منها , ويقول أبو عمرو بنالعلاء : " ما انتهى اليكم مما قالته العرب إلا أقلّه , ولو جاءكم وافراً , لجاءكمعلمٌ وشعرٌ كثير " .
ويقدّر الباحثون عمر الأدب المدوّن الذي وصل الينا من الجاهليينبقرنين من الزمان قبل الإسلام . ولعلّ من الدليل على شيوع الكتابة في العصر الجاهلي , إننا نجد شعراءهم يصفون الأطلال كثيراً بنقوش الكتابة , فها هو المرقَّش في فاتحةقصيدةٍ له يقول :
الدار قفر والرسوم كمارَقَّشَ فيظَهرِ الأديمِ قَلَم
ويقول لبيد في مطلعمعلقته :
عفت الديارمحلها فمقامهابمنىتأبَّدَغولُهافرجامُهـــا
فمدافع الريان عريرسمهاخلقاً كما ضَمِنَ الوُحيَّ سِلامُها
والوحي : ( الكتابة , والسِّلام : الحجارة البيضالتي كانوا يكتبون عليها وكانوا يكتبون أيضاً في الأدم , أو الأديم الذي مرّ في بيتالمرقّش , وهو الجلد المدبوغ يُكتب عليه , كما كانوا يكتبون في عسب النخل , ويستمرلبيد في معلقته فيقول:
وجلا السيولُ عن الطلولِ كأنهازُبُرٌتجدُّمُتونَهاأقلامُها
وال******ر جمع ******ور وهو الكتاب .
ويقول الأخنس بن شهاب التغلبي :
لإبنةِ حِطَّان بن عوفٍ منازلُكمارَقَّشَ العنوان في الرَّقِّ كاتبُ
والرَّقّ : الجلد الرقيق يُكتب عليه .
ويقول سلامة بن جندل وهو فارس جاهليّ معروف :
لمن طللٌ مثل الكتابِ المنمّقِخلا عهدُهُ بين الصُّلَيبِ فمُطرِقِ
والصليب ومطرق : إسمان لمكانين .
كذلك نجدهم يذكرون الصحف والصحائف والكتب التي تعني الرسائل , كماورد في قصة مقتل طرفة بن العبد :
رُوي أنَّ طَرَفَة بن العبد الذي كان يمدح الملك عمرو بن هند , أحدملوك المناذرة ( الذين تأسست دولتهم حول عام 240 م وإستمر حكمها حتى سنة 633م حينفتح عاصمتهم الحيرة خالد بن الوليد ) قد انقلب على الملك وهجاه , فصمّم عمرو بن هندعلى التخلّص من طرفة ومن خاله الشاعر المتلمّس , وما كان منه إلا أن حمّل كلا منهماكتاباً إلى عامله على البحرين , وفي كل كتاب أمر بقتل حامله , بينما الشاعرانيظنّان أن فيهما أمراً بجائزة لهما , وفيما هما في الطريق ساور الشك صدر المتلمّسفارتاب في أمر كتابه , ففك ختمه , وجاء إلى غلام من أهل الحيرة فقال له : أتقرأ ياغلام ؟
فقال : نعم , فاعطاه الصحيفة فقرأها فقالالغلام : أنت المتلمّس ؟ قال : نعم , قال : النجاة ! فقد أمر بقتلك , فأخذ الصحيفةوقذفها في جدول إسمه كافر ثم أنشأ يقول :
والقيتُها بالثني من جنبِ كافرٍ كذلكألقيكلَّ رأيٍمضلّــل
رضيتُ لها بالماءِ لمارأيتُهــايجولُ بها التيّارُ في كلِّ جـدولِ
وهرب المتلمّس الى الشام وعند وصوله أنشأيقول :
من مبلغُالشعراءِ عن أخويهـمُنبأً فَتَصْدُقُهم بذاكَالأنفُــسُ
أودى الذي عَلِقَ الصحيفةَ منهما ونجاحذار حياتِهِ المُتَلَمِّـــسُ
أما طرفة الذي لميشكّ في أمر صحيفته , فقد مضى إلى حتفه .
وقد ردّد الشعراء مثل هذه الصور كثيراً في اشعارهم، وما من ريب في إنّ ذلك يؤكد أنّ الكتابة كانت معروفةً في العصر الجاهلي , كذلككانوا يكتبون عهودهم السياسية , وكانوا يسمون تلك العهود المكتوبة " مهارق " وقدجاء ذكر هذه المهارق في معلقة الحارث بن حلّزة مشيراً بها إلى ما كُتب من عهود بينبكر وتغلب إذ يقول :
واذكروا حِلْفَ ذي المجازِ وماقُدّمَفيهالعهودُوالكُفـــلاءُ
حذرالجورِوالتعدّيوهــلينقضُ ما في المهارق الأهــواءُ
فالعرب اذن , استخدموا الكتابة في العصر الجاهليلأغراض سياسية وتجارية , إضافة الى الأغراض الأخرى المذكورة , وكانوا يجلبون الورقمن الصين , وورق البرديّ من مصر . وبهذا نكون قد ألقينا بصيصاً من نور على هذهالفترة والتي تمتد حتى بداية القرن الثالث الميلادي , ووجدنا أنّ اللغة العربيةكانت تتمتع بقدر كبير من العناية والاهتمام , تكلماً , وقراءة , وكتابة , أما عنأحوالها في فترة منسية من التاريخ لم تلقَ عليهاإلا أضواء خافتة ضئيلة ، فهذا ماسنتناوله في مقال قادم إن شاء الله ....
الشعر الجاهلي :
لما اقترب "بشامة بنعمرة" منالموت وهو شاعرجاهلي مجيد وزَّع ماله على أبنائه، فجاءه ابن أخته فحل الشعراء (زهير بن أبي سلمى) وقال: لو قَسَمْت لي من مالك فقال: والله يا ابنأختي، لقد قسمتلك أفضل ذلكوأجزله، فقال: وما هو؟ قال: شعري ورثتنيه دون أبنائي!
ورحلةالشعرالعربي طويلة موغلة..
والناسفي بدايته مذاهب شتَّى، فمنهم من يقول: إنه وُجدمن بدء الخليقة مع تعلم آدم الكلام!! ومنهم من يقول: إن بدايته كانتمنذمائتي عام قبل الإسلام (وهذا تاريخ أقدم ما ورد إلينا من أشعار)، والمنصفون على أنالشعر بدأ كأي تطور ورقي إنساني في وقت "ما" لايمكن تحديده بدقة نظرًا لعواملعديدة سنتحدث عنها فيما بعد، ثم تطور ونَمَا حتى وصل إلى ذروة فنيةراقية فيما وصلإلينا منأعمال قبل الإسلام.. واستمرت رحلته بعد ذلك صعودًا وهبوطًا،تقدمًاوتقهقرًا.
والمشكلة التي تواجهنا عند التصدي لروائع الشعر الجاهلي تكمنفيضياع كثير من أشعار تلكمالفترة، ويرجع ذلك لعوامل عدة:
(1) الاعتماد علىالرواية الشفهية للشعر، وهي بالطبع ليست أكثر الطرق أمانًاوحفظًا.
(2) ماجمع من الشعر الجاهلي، تم جمعه بداية من عصرالأمويين أي بعد 200 : 300 عامًا منتاريخ ورود الشعر إلينا، ولا شك أن ما نُسِي في هذه الفترة غيرقليل.
(3) إعراض كثير من المسلمين عنالخوض في مسألة الشعر زهدًا أو خوفًا أو تقوى، ونستطيعأن نتفهم ذلك حين ندلف إلى أغراض الشعر، ونرىبعضًا مما فيها مما قد يصادم فكر منكره الجاهلية كلها وملابساتها وما تعلق بها من حلال أو حرام ومنذلكالشعر.
(4) ويأتي العامل الأهم والأفدح وهو تعرض التراث الإسلاميلحملاتشرسة من أعداء الحضارةالإسلامية: الشعوبية من جهة والتتر في مذبحتهم الشهيرةللمكتبة الإسلامية العامرة من جهة أخرى (يذكرأنهم حين عبروا نهر الفرات وضعواكميات الكتب الهائلة التي حوتها مكتبة بغداد في النهر كي تعبر عليهاخيولهم حتىتحول النهر سوادًالأيام طوال)، مما أدى إلى دمار المخزون الثقافي الهائل الذيكانتتحويه عاصمة الخلافةالعباسية آنذاك.
أغراضالشعر العربيالجاهلي
أولاً: الوصف:
لقد أحاط الشاعر الجاهلي في أوصافه بجميعمظاهر البيئة، فوصف كل ما يخطر على باله ومايتراءى أمامه من مولدات شعورية، فحينيصف "عميرة بن جُعل" ديار الحبيبة الداثرة يبدعفيقول:
قِفارٌمَروراةٌيَحَارُ بهـاالقطـا
يظلّ بهاالسبعـان يعتركـان
يثيرانمن نسجالترابعليهما
قميصيـنأسماطًا ويرتديـان
وبالشَّرف الأعلى وحوشكأنها
على جانبالأرجاء عُوذُ هجان
فهذهالصورة الكلية الرائعة التيرسم فيها الشاعر كيف تحولت ديار نبضت بالحياة والحب وصبوة الشبابإلى ديار آوتالوحوش والسباعحتى أن الطيور تتوه فيها، وتلكم الضواري تصطرع والأتربة تتصاعدبينهما فتحيل المروج الخضراء قفارًا لا تعني إلاالموت والخراب، والخلفية الدراميةالمفجعة لوحوش تشاهد الصراع وهي فوق الجبال، وقد بلغت لضخامتهامبالغمذهلة.
ثانيًا: الغزل:
وقد اختص الشاعر قصائد بعينها وأوقفها علىالغزل وذكر النساء، وفي أحيان أخرى كان يجعلالغزل في مقدمة القصيدة بمثابةالموسيقى التمهيدية للأغنية، توقظ مشاعر المبدع والسامع فتلهبالأحاسيس، وتؤججالعواطف،ورغم السمة العامة للغزل وهو الغزل الصريح المكشوف الذي يسعى للغريزةأولما يسعى، فإن المثير أنيعجب بعض الشعراء الصعاليك (الشنفرى) بحسن أدب المرأةوأخلاقها العالية فيصفونها:
"لقد أعجبتني لا سقوطًا قناعهـا * إذا ذكرت ولابذات تلفت
كأن لهافي الأرض نسيًا تقصه * على أمها وإن تكلمكتبلَّت
تبيتبُعيد النوم تهدي غبوقهـا * لجارتها إذا الهدية قلت
فهو يعجبه فيها حرصهاعلى حجابها أنها لا تلتفت في مشيتها لشدة أدبها، وهي من شدة نظرهافي الأرض وخجلهاكأن لهاشيئًا مفقودًا تبحث عنه، وإذا تحدثت إلى غريب ضاع منها الكلام وتعثر،وإذاما أجدب الخير أهدتطعامها لجاراتها؛ ولذا فزوجها يثق فيها ويفخر حين تُذكر نساءالحي، فالبيوت إذا ذمت لنسائها ينجو بيته مناللوم لجلال أدبزوجته.
ثالثـًا: الرثاء:
وعاطفة الشاعر البدوية الفطرية كانت شديدةالتوهج، فإن أحب هام وصرَّح وما عرف للصبرسبيلاً، وإن حزن فبكاء ونحيب حتى يملأالدنيا عويلاً، وكلما جفت الدموع من عينيه استحثها لتسحوتفيض.
ومضربالمثلفي الرثاء صخر أخوالخنساء الذي رثته أبياتًا، وبكته أدمعًا ودماءً، تقولالخنساء:
أعينيجـودا ولا تجمـدا ألا تبكيان لصخر الندى؟
ألاتبكيانالجريء الجميل؟ ألاتبكيان الفتى السيـدا؟
وهي ترجو (صخرًا) ألا يشعر بألمتجاهعينيها الذابلتين من البكاء وتلتمس لهما العذر:
ألا يا صخر إن بكَّيتعينـي لقد أضحكتني زمنًا طويـلاً
دَفَعْتُ بك الخطوب وأنت حي فمن ذا يدفعالخطب الجليلا؟
إذا قبح البكـاء علـى قتيـل رأيت بكاءك الحسنالجميلا
رابعًا: الفخر:
كان الجاهلي إذا فخر فجر … هكذاقالوا…
فانتماءالجاهلي لعشيرته وعائلته أمر مقدس، وعوامل ذلك متعددة منها: طبيعة الحياة القاسية التي عاناها العربي مما جعله يعتصم بقوة أكبرمنه ويتحد معها؛ليتحصن منصراع الحياة البدائية المريرة، مما جعل عمرو بن كلثوم يقول بملءفيه:
وأنـاالمنعمون إذا قدرنا وأنا المهلكون إذا أتينا
وأنـاالحاكمون بما أردنا وأنا النازلون بحيث شينا
وأنـا النازلـون بكل ثغـر يخافالنازلون به المنونا
ونشرب إن وردنا الماء صفوًا ويشرب غيرنا كدرًاوطينًا
ألا لايجلهن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ملأناالبرحتى ضاق عنا كذاك البحرنملؤه سفينًا
خامسًا: الهجاء:
والهجاء المقذع عندهم يزكم الأنوف،ويعشو العيون، ولكنَّ لهم هجاء طريفًا ومنهالتهديد والوعيد بقول الشعر الذيتتناقله العرب، فيتأذى منه المهجو أكثر من التهديد بالقتل، وكانالهجاء سلاحًاماضيًا في قلوبالأعداء فهم يخافون القوافي والأوزان أكثر من الرماحوالسنان.
يقولمزرد بن ضرار:
فمنأرمه منها ببيت يَلُح به كشامة وجه،ليس للشام غاسلُ
كذاكجزائي في الهدى وإن أقل فلا البحر منزوح ولا الصوتصاحل
فهو يشبهقصيدته بالشام في الوجه لا يُتخلص منه، وهذا طبعه في الهدايا،وإن الشعر عنده لا ينفد كما أن البحر لا ينفد،والصوت لا يُبح ولاينقطع.
والأدهىمن ذلك أن كان غلام لخالد الذبياني يرعى الإبل فغصبها (آلثوب) منه فرجع يبكي إلى سيده فذهب خالد إلى مزردبن ضرار الذبياني، فقال: إني أضمنلك إبلك أن تُرد عليك بأعيانها وأنشأ هجاءً يقول:
فإن لم تردوها فإنسماعها
لكمأبدًا من باقيات القلائد
فيا آلثوب إنما ظلمخالد
كناراللظى لا خير في ظلم خالد
فما لبث (آل ثوب) أن ردوا الإبلقائلين:
لئنهجانا مزرد لقد هجتنا العرب أبد الدهر.
سادسًا: المدح:
ومنرواده زهير بن أبي سلمى وكان لا يمدح إلا بالحق، وكذا النابغةالذبياني الذي تخصص في مدح العظماء والملوكراغبًا في العطاء السخي، ومنهم "الأعشى" وكانسكيرًا مغرمًا بالنساء لا يهمه من يمدح ما دام يعطيه، وقد أنفق كل ما أعطىعلىخمرهونسائه.
قالزهير في مدح حصن بن حذيفة:
وأبيضفياض يداه غمامـةعلى معتفيهما تغب فواضـله
أخي ثقةلا تتلف الخمر ماله ولكنه قد يهلك المالنائلــه
تراه إذاما جئتـه متهلـلاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ومنطرائفأشعارهم شكوى النساء وحدة ألسنتهن – ويبدو أنها شكوى الأدباءوالمفكرينوالناس دومًا - فهذا الشنفرى الأزدي يرجع لبيته، وقد مات كلبا صيد كانا يقتنصانالطعام له فقال:
وأيقـن إذا ماتا بجـوع وخيبة وقال له الشيطانإنكعائـل
فطوَّف في أصحابه يستثيبهـم فآب وقد أكدت عليهالمسائـل
إلىصبية مثلالمغالي وخرمل رواد ومن شر النساء الخرامل
فقاللها: هل من طعـامفإننـي أذمإليك النـاس أمـك هابـل
فقالت: نعم هذا الطوي ومـاؤه ومحترق منحائل الجلد قاحل
تغشىيريد النوم فضل ردائـه فأعيا على العين الرقادالبلابل
فالشيطانيعيره بفقره وأصحابه لا يعطونه شيئًا ، فيعود إلى صبيةضعاف وزوجة سليطة اللسان فسألها الطعام وهو يشكوالناس لها.
فأجابتهبغيظوضيق: نعم لتأكل ماءالبئر أمامك وجلدًا كان حذاءً قديمًا لك.. كله هنيئًا مريئًا.. فهرب صاحبنا إلى النوم عله يحل مشاكله في الأحلام، فصعب على عينهالنوم وظل مؤرقًاوحيدًا..
سابعًا: المعلقات:
وهي أعظم نتاج الشعر الجاهلي كتبهاالفحول العظماء؛ وسميت كذلك لأنهم علقوها علىجدران الكعبة، وقيل: لأنها كاللآلئالثمينة بين باقي القصائد، وقيل غير ذلك وتتميز بطولها وجزالةألفاظها وتماسكأفكارها.
ويعتقدد. علي الجندي أستاذ الأدب الجاهلي بجامعة القاهرة أن منأسباب خلود المعلقات أن كلاً منها تشبع غريزة منغرائزالنفسالبشرية..
فحبالجمال فيمعلقة امرئ القيس، الطموح وحب الظهور في معلقة طرفة، والتطلع للقيمفيمعلقة زهير، وحب البقاءوالكفاح في الحياة عند لبيد، والشهامة والمروءة لدى عنترة،والتعالي وكبرياء المقاتل عند عمرو بن كلثوم،والغضب للشرف والكرامة في معلقةالحارث ابن حلزة.
والمعلقات كلها تبدأ بالحديث عن الأطلال وموكبالارتحالعدا ابن كلثوم الذيطلب الخمر كأنما يريد أن يذهل عن الوجود الذي سيطعنه بارتحالالحبيب، والعربي منذ الأزل ارتبط بأرضه ووطنه،فالمكان لديه أخ وأب وصاحبة،والارتحال يفرق بين قلوب إلى مدى لا يُعرف، والتأثر يكون أقوى إنكان للمكان ذكرىحلوة، ولاعجب إن فرَّج عن نفسه بالبكاء لعل الدموع تطفئ نار الوجد، والعجيبأنهموإن اتفقوا في الفكرةإلا أن جانب الشعور لديهم كان مختل
المثل والحكم :
للمثل أوالحكمة مكانة في الأدب العربي سواء ما نتج عن قصة فأصبح مثل متداول أو ما نتج عنتجارب و عصارة خبرات عقلية أو حياتية فخرجت حكمة يتداولها الناس .
بهذا الخروجإلى محيط الناس و كثرة التناقل أصبح المدلول للمثل أو الحكمة كأنة الفيصل في أي حدثمن حيث حيثيات الوجهة التي يراد الاستدلال بها ، ليكون المثل أو الحكمة عبارة عنجواب قاطع يجزي عن كلام كثير ، لتكرار الشيء المراد الاستدلال به ، فلا حاجة لكثرةالكلام ، يكفي أن تقول حكمة أو مثل لتكون قد قطعت شوط كبير لما تريد أن توضيحه ،هذا هو احد الأساسات التي أخرجت المثل أو الحكمة .
لا أريد صرف الموضوع بإتجاةالدين فما خرج من الكتاب و السنة من حكمة أو مثل لا جدال فيه ، و إنما ما أخرجهالبشر على مر العصور و كأن تلك الأمثال و الحكم وثائق تاريخية محملة بعقول و تجاربو قصص الغير فمن حيث انتهى المثل أو الحكمة و جب علينا أن نبتدئ .
و أن نأخذ تلكالأمثال و الحكمة بشيء من الجدية الصارمه فهي توجه و تحكم و تنزل الحدث موقع الواقعفي ظن الكثير و تقود السلوك إلى الخضوع و التصديق لما قيل
( فاقد الشيء لايعطيه )
هنا حكم بالإعدام و لكن بطريقة ليست فيزيائية .
عندما نقول تلكالمقولة عن شخص عدواني أو بخيل أو غبي أو متكبر أو فقير
يكون الحكم بأن العدوانيفاقد للتسامح و البخيل فاقد للكرم و الغبي فاقد للذكاء و المتكبر فاقد للتواضع والفقير فاقد للمال ، فهذه العينات لا تعطي الشيء المطلوب سواء كان الشيء محسوس وملموس او معنوي .
هذا الحكم بالإعدام في هذه المقولة تبرمج الدماغ بأن الأملمفقود نحو التغيير ، إذا أصبح العدواني متسامح هل سنقول ( من أستملك الشيء يعطيه) ؟
و من الأقوال المشهورة و التي تأتي في نفس هذا السياق ( إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب )
هذه المقولة دائما تقال لمن هم في مقتبل العمر ، لكي لايقعوا في المحضور أو لكي لا ينطق ( بالعيب ) ، حتى أصبح السكوت ميزة للكثير منالأطفال و تربوا على هذا الشيء و كبروا على السكوت ، لا يسأل و لا يستفسر و لايحاور و لا يتحدث ، الكلام مقنن لا يطالب بحقوقه بطريقة مدنية ، بل حتى اذا خرج منسكوته نطق الكفر في كثير من كلامه لأن الذي أخرجه من صمته بعد تلك البرمجة هو الغضب .
الأمثلة كثيره جدا و الحكم كذلك و لكم أن تروا اثر تلك الأقوال على مجرياتحياة الناس .
و للفرع الأخر من المثل و الحكمة وقع اشد برمجة الا و هو المثلالشعبي
الذي يعكس حياة الناس في أي مقولة يتم تداولها .
بقي أن أضيف شي
المثل أو الحكمة ليستكتاب منزل ، المثل أو الحكمة جميلة من حيث سماعها و تطبيق بعض جوانبها حسب الحالةالمرادفه لتلك المقولة
المثل أو الحكمة ليست مرآة ثابتة لأي مجتمع يتم تعليقهافي لبنات المجتمع لتكون وسيلة من وسائل البرمجة
القصص:
ومن فنون النثر الجاهلي القصص وما يتصل منها بسبب،كالأسمار،والحكايات، والأساطير، التي تتناثر في كتبالأدب والتاريخ والأمثال، والتفسير، وكتبالشواهدالنحوية والبلاغية، ومؤلفات الشرَّاح مما يؤلف ذخيرة قصصية غزيرة، تمثلفيمضمونها جوانب من المجتمع العربي في العصر الجاهلي،أو ما هو قريب منه، إذا صحتنسبتها إلى ذلكالعصر.
وقد بقي الناسيتداولون هذه القصص عن طريق الروايةالشفوية، حتى بدأتدوين بعضها في العصر الأموي، ولكن لم يصل إلينا شيء منه، بل وصلما دُوَّن في أوائل العصر العباسي، وما بعد ذلك، بعد أن تنقلتروايته في المجالس،وزيد فيه، ونقص منه، ولا يعرف مدونهولا راويه، وإن حمل بعضه على الأصمعي وغيره،سواء فيذلك ما كان فيه إطالة وتفصيل، أو قصر وإيجاز. وقد كانت هذه القصصالجاهليةالمتداولة نواة للقصص الشعبي الذي ازدهر فيالعصرين: العباسي والمملوكي.
ولهذا كله، يقع الشك في صحة نصوص القصص التي ترفع إلى العصرالجاهلي، منحيث الصياغة على الأقل. ذلك أنها لم تدونفي ذلك العصر قط، ولا فيما هو قريب منه،بل صيغتبأساليب العباسيين، ومن بعدهم، الذين تصرفوا فيها صيغة ومضموناً،ولاسيماالطويلة منها. وتكفي الإشارة إلى أن أيام العربوملامحهم الحربية تؤلف ينبوعاًقوياً لتلك القصص، وقددونها أبو عبيدة في شرحه لنقائض جرير والفرزدق. ومن هذاالتراث القصصي أيضاً ما يتصل بملوك المناذرة والغساسنة والدولةال************ية، وغيرهمممن سبقوهم أو عاصروهم، كال******اء أوزنوبية. ومنه أيضاً قصص العشاق وأخبارهم، وبعضالأساطيرعن الحيوانات كقصة الحية والفأس في خبر المثل: «كيف أعاودك وهذا أثرفأسك؟».
هذا، إلى قصص أخرى متناثرة في كتاب الأغاني وغيره عن عمرو بنكلثوموربيعة بن مكدم، وعبد الله بن جدعان، وغيرهم. وكلذلك من موروثنا النثري، ولكنه لايمثل أسلوب الجاهليين ولا صياغتهم.