المدارس الأدبية الغربية و أثرها في الأدب العربي
المذهـب الكلاسيكـي Le Classicisme
1-تعريف المذهب
أ- لغــة:المذهب مصدر للفعل ذهب , فنقول: ذهب ذهابا وذهوبا ومذهبا, في المسألة إلى كذا؛ أي رأى فيها ذلك الرأي ؛ ونقول تمذهب فلان بالمذهب: اتبعه . والمذهب جمعه مذاهب وهو المعتقد و الطريقة والأصل,مثل مذاهب الإسلام الأربعة :المذهب الحنفي و الشافعي و الحنبلي والمالكي , لذا نقول: ذهب في الدين منها : رأى فيها رأيا
ب- إصطلاحا:هي تلك الاتجاهات والمسارات الفنية والنفسية العامة التي تسببت في وجودها حوادث تاريخية وظروف حياتية عامة في العصور السالفة ،واتفق الأدباء والنقاد فوضعوا أصولا وقواعد للتعبير عن هذه الحالات النفسية ،فالمذاهب تيارات فكرية وفنية واجتماعية تعاونت الآداب العالمية على انتشارها وعكس كل مذهب روح العصر الذي نشأ فيه.
تعريف المذهب الكلاسيكي "الاتباعي":
أ- لغــة:كلمة- كلاسيكية- من حيث الأصل اللغوي مأخوذة من كلمة
classisلتي كانت تدل على معنى وحدة الأسطول ، ثم استعملت بمعنى وحدة دراسية أو فصل دراسي ، ثم أصبحت طلق على مذهب أدبي محدد الصفات والخصائص وقيل :"إنها من اللفظة الاتينية((classicus))" وتطلق على الطبقة العليا في المجتمع حيث كان المجتمع في أوروبا ينقسم إلى 6 طبقات أعلاها طبقة الكلاسيك
ب- اصطلاحا:هو مذهبأدبي يتمسك بالأصول القديمة الموروثة عن الأدب اليوناني القديم ، ويحرص علىالمحافظة على الأصول اللغوية السليمة في رتابة وعناية بالغتين باعتماد نظريةالمحاكاة.
3- نشأةالكلاسيكية:
ليس غريبا أن تكون الكلاسيكية الأسرع ظهورا وانكشافا من المذاهب الأخرى ،وسبب ذلك ميل الخلف على السجية إلى السلف. وارتباطهم بما ألفواعليه آباءهم .فنشأت الكلاسيكية في أوربا بعد حركة البعث العلمي renaissance التي ظهرت خلال القرن 15م، بعد سقوط القسطنطينية سنة 1453 على يد الأتراك تحت قيادة – محمد الفاتح – إذ رحل أدباء وعلماء القسطنطينية (بيزنطة) وهم يحملون معهم المخطوطات اللاتينية القديمة إلى إيطاليا ثم سرعان ما انتشر هذا المذهب بفرنسا.
وقد ظهرت الكلاسيكية تلبية للظروف الفكرية التي عاش في كنفها الأدب الأوربي في القرنين 17م و 18م حيث كان للنزعة العقلية سلطان واسع على الإبداع الأدبي.
4-تطور الكلاسيكية وخصائصها:
تعتمد الكلاسيكية على النزعة العقلية التي قادها" ديكارت " في الفلسفة و"بوالو" في النقد ، ذلك أن العقل هو الذي يقود القلب والخيال ويكبح جماحهما.
إن الكلاسيكية تستجيب لحاجات الطبقة الأرستقراطية وتعبرعن الحالات النفسية التي كانت سائدة في القرن 15م .وهي تقديس إبداع القدامى خاصة ما أبدعه اليونان واللاتين ، وتمثل جماعة البيلياد la pleiadesالتي يتزعمها رونسار(1524-1585م) بمساعدة ديبيليه (1522-1560م) وترى هذه الجماعة أنه يجب على الأدباء الناشئين أن يتمرسوا بشعرقدماء اليونان واللاتين من أجل بلوغ الإبداع الحقيقي . يلتزم الكلاسيكيون بمحاكاة القدامى في إطار من الاهتمام المطلق والصارم بأصولهم وقواعدهم ،وعلى هذا نجدهم يقتبسون موضوعاتهم من التاريخ القديم ، فانتشر بذلك الشعر المسرحي واختفت النزعةالذاتية.
لقد وضع الأديب الفرنسي – بوالو – أسس الكلاسيكية في كتابه "فن الشعر " سنة 1648م وبذلك يكون قد أعلن عن نضج الكلاسيكية.
يحرص الكلاسيكيون على تناول الجانب الباطني في الإنسان ؛ أي يغوصون في دواخل النفس الإنسانية ، من ذلك حين يتناول – موليير – (1622-1673) في مسرحيته " البخيل " ظاهرة البخل فإنه يحاول من خلالها الكشف عن أعماق نفسية البخيل.
إن الكلاسيكية وإن كانت تقدس العقل فإنها لا تسمح بوجود العواطف الإنسانية إلا تحت قيادة العقل فهي تحرص كل الحرص على جودة الصياغة اللغوية والفصاحة في التعبير لأن هذا الأدب عرف بأنه أدب الصنعة .ومن أهم خصائص الكلاسيكية الغربية:
-الاعتماد على القديم من شعر القدماء كالرومان والإغريقفي الحرص على تقليدهم.
-الابتعاد عن العواطف الذاتية.
-الحرص على جودة الصياغةاللغوية وفصاحة التعبير.
-تقيّد أعمالهم وإنتاجهم الأدبي بقانون الوحدات الثلاث لاعتقادهم أن المسرحية إذا تعددت مواضيعها وامتدت أحداثها عبر الزمن الطويل وتنوعت أماكنها تصدع بناؤها وتفككت عناصرها.
5-أثر الكلاسيكية الغربية في الأدب العربي
إن تأثير المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث محدود؛ حيث اقتصر على الشعر المسرحي ؛ وذلك عندما اتصل كتاب المسرح العربي بالمسرح الفرنسي الكلاسيكي وفي مقدمة هؤلاء أمير الشعراء -أحمد شوقي - من مصر والأديب - مارون النقاش- من لبنان . وتتمثل في الأعمال العربية الأدبية الكلاسيكية في بعض الترجمات التي قام بها مارون النقاش الذي ترجم أعمالا للأديب الفرنسي – موليير – كمسرحيتي (البخيل) و(الثري النبيل) . كما قام أيضا- سليم النقاش - بترجمة مسرحية (هوراس) التي ألفها صاحبها –كورناي– سنة 1640 وقد ظهر هذا التأثير البسيط بصفة جلية في مسرحيات -أحمد شوقي - الذي كان قد اتصل بالأدب الفرنسي الكلاسيكي واحتك بمسرحه عند ذهابه إلى فرنسا للدراسة . ونلمح هذا التأثير في عنصر الصراع بينالحب والواجب في مسرحية (مصرع كليوباترا) إذ جعل الأديب كليوباترا ملكة مصر (67ق.م- 30 ق.م ) تغار على وطنها ولا يهمها أن يعزلها الروم أو أن تلقى المنية في سبيلمملكتها وهي مع ذلك مهتمة بجمالها حية أو ميتة ، متمسكة بعلاقتها بأنطيوس القائدالروماني الذي خاصم قومه من أجل كليوباترا ،كما نجد في مسرحية ( قمبيز) وبطلتهانتيتاس نوعا آخر من الصراع حيث لم تستطع أن تتغلب على حقدها على قاتل أبيها الفرعون أمازيس.
وإذا كانت مسرحيات شوقي محاولة رائدة في الشعرالعربي فقد تبعتها بعد ذلك محاولات أخرى ناجحة في الإتقان الفني والنضج الفكري مثلمسرحية "مصر الجديدة "لـفرج أنطون كما ظهرت فرق أخرى كانت أعمالها المسرحية متميزة .إلا أن تأثير الكلاسيكية في الأدب العربي بقي محدودا ولم تلق رواجا كبيرا لأسبابأهمها
- اعتماد المذهب الكلاسيكي الغربي على الأدبالموضوعي بينما نجد الأدب العربي عموما أدبا عاما
- إن المذهب الكلاسيكي وثيق الاتصال بالمسرحسواء منه اليوناني والروماني القديم أو الأوروبي الحديث وليس للعرب مسرح في عصورهمالقديمة ، وحين اتصل بعض أدبائهم بالمسرح الغربي حديثا كان ذلك التأثيرمحدودا.
- عدم بقاء الكلاسيكية وتعميرها طويلا فيأوروبا في فترة كان الاتصال فيها بين الأدب العربي والآداب الأوروبية في مرحلةالطفولة . فليس من الطبيعي أن يتأثر العرب بمذهب أدبي هجره أهله.
المذهـب الرومانسـي Le Romantisme
نص استهلالي:قال الدكتور محمد مندور في كتابه -الأدب ومذاهبه- : "...يمكنالقول أنها قد كانت في جوهرها ثورة تحريرية للأدب من سيطرة الآداب اليونانيةواللاتينية القديمة ومن كافة القواعد والأصول التي استنبطت من تلك الآداب " .
1-تعريف الرومانسية
أ - لغــة :الرومانسية من حيثالجذر اللغوي مشتقة من كلمة "رومانيوس" وقد أطلقت هذه الكلمة على اللغات والآدابالتي تفرعت عن اللغة اللاتينية القديمة ، ويرى البعض أن "رومانس" لفظة اسبانية تدلعلى نوع من الصياغة الشعرية مؤلفة من مجموعة أبيات ثمانية المقاطع تكون فيهاالأبيات الزوجية مشتركة في القافية والأبيات الفردية مطلقة .
ب- اصطلاحا:هي ثورة على المذهبالكلاسيكي بأصوله وقواعده وقد رفضت فيه إغراقه في الصنعة ومبالغته في تعظيم العقلوإمعانه في تمجيد العظماء والسير على منوالهم. فالرومانسية تفتح المجال واسعاللسليقة الحرة وترفض العقل وتدعم الإحساس المنطلق والشعور المتدفق والطبع الوثاب .
2-نشأتها
نشأت الرومانسية في فرنسافي أواخر القرن 18م وبلغت قمة ازدهارها في منتصف القرن 19م وقامت على أساس فلسفي هيالفلسفة العاطفية التي مثلها - جون جاك روسو- الفيلسوف الفرنسي الذي توفي سنة 1778وعلى أساس اجتماعي وهو بروز الطبقة البورجوازية التي عبرت عنها الرومانسية مصورةحالة الكآبة والتشاؤم التي سادت تلك الفترة .
كما اتسع نطاق الرومانسيةمن خلال بعض الأعلام البارزين مثل الفرنسي فيكتور هيغو "1806 - 1895" إلا أن وليامشكسبير "1564-1616" يعد بحق واضع القاعدة الأولى للرومانسية الغربية في مسرحهالشهير في إنجلترا وتميزت أعماله بتحليل عواطف القلب البشري من حب وبغض . ومن روادهذا المذهب أيضا الشاعران الإنجليزيان واردزوارث"1770-1850" وكلوريدج "1772-1834" اللذان نظما وأصدرا ديوانهما "المواويل الغنائية" وقد جعلا الإنسان بهمومهواهتماماته محورا لشعرهما في هذا الديوان وقد شهدت إنجلترا أيضا أدباء رومانسيينآخرين نالوا شهرة واسعة وتركوا بصماتهم في الأدب الإنجليزي الرومانسي منهم: وليمبلاك "1757-1827" وجامس طومسون "1700-1742" .
3-تطور الرومانسية وخصائصها
لقد شهدت الرومانسية تطوراكبيرا في إنجلترا من خلال أدباء وشعراء تركوا بصمات بارزة في الأدب الرومانسي. وقدشهدت ألمانيا نهضة في مجال الأدب الرومانسي بفضل الأديب -غوث- صاحب كتاب "آلامالشاب وارذر" وقد صدر سنة 1774م وترجم بعد ذلك إلى الإنجليزية والفرنسية سنة 1775م . وقد اعتبر في أوروبا بطل الرواية "وارذر" بطلا للرومانسية . أما عن الرومانسيةبفرنسا فإنها جاءت متأخرة عن الرومانسية الإنجليزية والألمانية حيث ظهر تأثيرهاخاصة في حروب نابليون بونابرت "1769-1821" واحتلاله بجيشه لعدة دول أوروبيةكإيطاليا وألمانيا وإسبانيا ،ورجوع المغتربين الفرنسيين من هجرتهم إلى بلدهم فرنساوهم محملون بأفكار ومبادئ الرومانسية .
وقد ظهر هذا التأثير بوضوحسنة 1830 بعد سفر كل من –لامارتين- "1790-1869" والأديب فيكتور هيجو -اللذان أعتبرامن أعلام الحركة الرومانسية بفرنسا- إلى بعض الدول الأوروبية ، وقد أخذ هذانالأديبان أسس المذهب الرومانسي ومبادءه وحملاها إلى فرنسا قادمين بها في رحلاتهمامن ألمانيا وإنجلترا وإسبانيا . ومن أعمال فيكتور هيجو (البؤساء - وهرناني -وعمالالبحر) وغيرها من الأعمال الفنية الشعرية والنثرية . وهو صاحب المقولة الشهيرة " يجب أن نخلص الشعر من الموضوعات المأخوذة من عصور غربية عنا ". وقد اهتمتالرومانسية بالعواطف الذاتية وخصت أدبها بالطبقات الوسطى والدنيا من المجتمع . لذاجاءت تعبيرا عن هذا المجتمع الجديد الذي عرفه العالم الغربي ، ومن هنا فقد سعتالرومانسية بأعمالها الأدبية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة لشعوبها .
4-أهـم خصائــص الرومانسيــــة
من أهم خصائص الرومانسية
- بروز الذاتية في الأعمال الأدبية لأن الأدب في نظرهم أدب ذاتي وشخصي
- اتخاذ الطبيعة مادة خاما لأعمالهم الأدبية والهروب إليها لصياغةالتجارب الشعرية
- تسعى الرومانسية إلىالتعمق في أسرار الكون عن طريق تقديم الخيال وتفضيله على العقل وتقديس النزعةالعاطفية إلى حد الإسراف
- التعبير عن معاناةالضعفاء ومظاهر القلق والحزن والتفاؤل والتشاؤم . وقد طمحت إلى عالم تسوده مبادئالعدل والمساواة ، معلنين عن تعاطفهم مع الضعفاء والمحرومين ، وقد نادت الرومانسيةبتحطيم القيود والقواعد المفروضة على الأدب وركزت على التلقائية والسليقة الحرة
5-أثر الرومانسية في الأدب العربي
أشرنا أن الكلاسيكية لم يكن لها تأثير واسع في الأدبالعربي الحديث . إلا أننا نجد أن الرومانسية قد أثرت تأثيرا بالغا على الأدب العربيوقد ظهرت بوادر هذا التأثير على يد المهجريين أمثال (جبران خليل جبران و إيليا أبيماضي) وغيرهما من شعراء المهجر الذين أجادوا اللغة الإنجليزية إلى جانب لغتهمالأصلية فتمكنوا من الإطلاع على عيون الأدب الغربي عامة والأمريكي خاصة .
كما نلاحظ تعدد الترجمات العربية للمصطلح الأجنبي romonticismفيقابله " الوجدانية- الذاتية- الرومانسية- الرومانتيكية - الإبداعية - الإبتداعية ..."
أ- عوامل ظهور الرومانسية في الأدب العربي
- تأثيرات الغرب : بدأالاتصال بالثقافة الغربية منذ المنتصف الثاني من القرن19 م فأخذت البعثات العلميةتقصد أوروبا لتغترف من الحضارة الجديدة وعادت تحمل هذا التأثير من المثقفين العربفتأثر معظم الشعراء بنظرائهم في الغرب وفي مقدمتهم خليل الخوري توفي سنة 1907 الذيكان على اتصال تراسلي مع –لامارتين- .
- معاناة الجيل العربي مابين الحربين : يعزو بعض النقاد أسباب ظهور المذهب الرومانسي إلى ما عاناه الجيلالعربي أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، من كبت للحريات والعواطف والقيودومصادرة الأفكار الحرة وممارسة القمع والتعذيب فانطوى الشاعر على نفسه وانسحب إلىدنيا الأحلام متقلبا بين اليأس والأمل .
- الرغبة في التجديد : لقدضاق الأدباء ذرعا بالموضوعات القديمة والصور التقليدية وأرادوا التحرر من القيودالقديمة التي كبلت حرية الشاعر في الإبداع .
ب- مظاهر الرومانسية فيالأدب العربي :
ظهرت الرومانسية في الأدبالعربي على صورة مذهب نظري نقدي ثائر قبل أن يجسدها الأدباء في إنتاج فني وقد تبلورهذا الاتجاه في كتابين نقديين هما : الديوان سنة 1921 لكل من عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني.
وكتاب الغربال الذي صدر سنة 1922"ميخائيل نعيمة" وتحت هذا المذهب النظري نشأت عدة تنظيمات أدبية أهمها 1- مدرسة الديوان أو" مدرسة التجديد الذهني " :دعا إليها- العقاد والمازني - ومن شعرائها عبد الرحمان شكري وقد حملت لواءالتجديد والثورة على الأدب المحافظ متأثرة بالمدرسة الرومانسية الإنجليزية وقد نهجتفي كتابها "الديوان" المنهج ذاته الذي نهجته" مجموعة الكنز الذهبي"وشعارها هو بيت "عبد الرحمن شكري"في قصيدته "ضوء الفجر"
ألا يــــا طـــائـرالفــــردو س إن الشــــعر وجــــدان
وقد قامت هذه المدرسة على دعامتين أساسيتينهما
• سعة ثقافة أصحابها : فقدعكفت هذه المدرسة على التراث العربي الأصيل وأعطته حقه من التحصيل والتحليلوالدراسة
• الإطلاع الواسع على الأدبالغربي : لقد اهتمت هذه الجماعة بعيون الآداب الأوروبية الغربية وخاصة الأدبالإنجليزي الذي نال قسطا وافرا من الاهتمام . وقد تميزت أعمال جماعة الديوان ببعضالخصائص الفنية نجملها فيما يأتي:
* كان أدبهم إنسانيا يحملرسالة سامية ، ويرون أنه يجب على الأديب أن يطيل التفكير في الحياة وما تحمله منقسوة وهموم
* البعد عن الصنعة والتكلفحتى يكون الأدب مفعما بالمشاعر القوية والأحاسيس الذاتية
* دعوتهم إلى الشعر المرسل وتعدد القافية في القصيدة علىخلاف النظام القديم
* الصدق الفني في التجربةالشعورية لأن القصيدة عندهم تنقل بصدق ما في نفس الشاعر من معان وانفعالات وأحاسيس .
2- الرابطــــة القلميــة :تمثل شعراء المهجر الشماليين وهي مدرسة قائمة بخصائصها في التعبير والتفكير . تأسستفي الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1920 ، برئاسة الشاعر جبران خليل جبران ومن أبرزأعضائها ميخائيل نعيمة رشيد أيوب وإيليا أبي ماضي ونسيب عريضة وغيرهما من أدباءالمهجر . تتميز هذه الرابطة بدعوتها إلى التجديد ومبالغتها في ذكر الأوطان كما أنهالا تلتزم بالدقة اللغوية وقواعد الصرف والنحو .
3-جمـاعــة أبـولـو (أبولو ربالشعر والموسيقى عند اليونان ) :هي جماعة أدبية تأسست سنة 1932 دعا إليهاأحمد زكي المعروف بأبي شادي ، وقد ترأسها أمير الشعراء أحمد شوقي وبوفاته في شهرأكتوبر من نفس السنة تزعمها الأديب خليل مطران ، وقد انضم إليها علي محمود طه توفيسنة 1949 والشاعر أبو القاسم الشابي توفي سنة 1934 وكذلك الأديب إبراهيم ناجيومحمود حسن اسماعيل ، وحسن الصيرفي والتيجاني يوسف البشير .
لقد اتخذت الجماعة لنفسها مجلة فنية حملتها لسان حالهادعتها مجلة "أبولو" برئاسة الدكتور أحمد زكي (أبو شادي) وراحت تروج لشعر دي موسيه،وشيلر، وجورج ملتون ، وبودلير وغيرهم من الشعراء الأوروبيين المجددين . وهذا الشاعرأحمد شوقي يصور آلام ومعاناة عاشها إخوانه في سوريا :
بني سوريا اطرحـوا الأماني وألقـوا عنكم الأحلامألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا بألقــاب الإمارة وهيرق
نصحت ونحن مختلفون دارا ولكــن كلنا في الهمشرق
ومن أهم خصائص هذه الجماعة : التجربة الشعرية ، الوحدةالعضوية ، الانغماس في الطبيعة ، التجديد في القوالب والأوزان الشعرية .
6-جماعات أدبية أخرى
• العصبة الأندلسيـة : ومن أبـرز شعرائهـا رشيد سليمالخوري .
• عصبة العشـــرة : // // // إلياس أبو شبكة .
• النادي الفينيقــي : // // // ميشال معلوف .
• الثالـوث الرومانسي: // // // أبو القاسم الشابي .
المذهـب الـواقعـي Le Réalisme
نص استهلالي :ورد في كتاب الأدب ومذاهبه للدكتور محمد مندور ما يلي : " إنالواقعية ليست الأخذ عن واقع الحياة وتصويره بخيره وشره كالآلة الفوتوغرافية كماأنها ليست معالجة لمشاكل المجتمع ومحاولة حلها أو التوجه نحو هذا الحل ، كما أنهاليست ضد أدب الخيال أو الأبراج العاجية ، وإنما هي فلسفة في فهم الحياة والأحياءوتفسيرهما أو هي وجهة نظر خاصة ترى الحياة من خلال منظار أسود " ويرون : " أنالشجاعة والاستهانة بالموت لو نقبنا عن حقيقتها لوجدناها يأسا من الحياة أو ضرورةلا مفر منها ، والكرم في حقيقته أثرة تأخذ مظهر المباهاة ، والمجد والخلود تكالبعلى الحياة وإيهام للنفس بدوامها أو استمرارها . وهكذا الأمر في كافة القيمالمثالية التي نسميها قيما خيرة ، فهي ليست واقع الحياة الحقيقية وإنما الواقع هوالأثرة وما ينبعث عنها من شرور وقسوة ووحشية " .
1-تعريف الواقعية
تمثل الواقعية الجانب الواقعي من المجتمع والحياة ، فهيترى أن الحياة كلها شر ووبال وأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا إذا كان ماكراومخادعا .
2-نشأتها
نشأ هذا المذهب في الثلثالثاني من القرن 19م تحت تأثير الحركة العلمية والفلسفية ونتيجة رد فعل للإفراطالعاطفي الذي اتسمت به الرومانسية ؛ فقد ازدهرا معا وتجاورا . وقد عمد الواقعيونإلى تشخيص الآفات الاجتماعية وتصوير معاناة الطبقة الدنيا وبالغوا في ذلك حتى اتسمأدبهم بطابع تشاؤمي ومسحة سوداء
يعدّ بالزاك Balzac « 1850-1799 »الرائد الأولللواقعية في فرنسا وقد خلف أكبر موسوعة في الأدب الواقعي وهي تشمل نحو 150 قصة أطلقعليها اسم الكوميديا البشرية وتمثل قطاعات مختلفة من الحياة ، كما نجد عدة أدباءآخرين من فرنسا في مجال الواقعية مثل غوستاف فلوبار"1821-1880 " وهو صاحب الأعمالالأدبية المتميّزة مثل السيدة بوفاري Bovary Madame وقصة أخرى عنوانها Salammbo وغيرهما من الأعمال الأدبية القيمة
3-تطور الواقعية وأشهر أعلامها
أشرنا إلى نشأة الواقعية في فرنسا وريادة بالزاك في هذاالمجال ، أما في إنجلترا فإننا نجد ريشار شيريدان"1751-1816 " وكذلك تشالز ديكينز "1822-1870" الذي قدم وصفا صادقا وعميقا للمجتمع الإنجليزي في رواياته التي تركت آثارا جلية في الواقعية الإنجليزية مثل (صحائف بكويك و دافيد كوبرفيلد) وكذلك (دمنىوولده
4-خصائص الواقعية
يرى النقاد أن الواقعية تنقسم من حيث خصائصها الفنية إلى ثلاثة اتجاهات
*الواقعية الانتقادية :تقفموقفا انتقاديا إزاء أوضاع المجتمع فظهر هذا المذهب جليا أكثر في الأدب الفرنسي عندبالزاك وستيندال وكذلك تجلى في الأدب الروسي عند دوستويفيسكي و تولستوي "1828-1910" صاحب القصة المشهورة (حرب وسلم) وإلى جانب هؤلاء الأدباء ذاع صيت الأديب الأمريكيهيمينغواي "1898-1960" ومن رواياته " الشيخ والبحر " و " لمن تقرع الطبول " .
* الواقعية الطبيعية :لقدعملت على توثيق صلة الأدب بالحياة لتصوير الواقع الاجتماعي بمختلف أشكاله معالاستعانة بالعلوم التجريبية العصرية وعلى هذا اعتقد الفرنسي ايميل زولا "1840-1902" أن الأديب يطبق مكتشفات (داروين) صاحب نظرية "أصل الأنواع " و(كلودبيرنارد) صاحب نظرية "الأثر الحاسم للبيئة" وبذلك نفى هذا الاعتقاد على الإنسانحرية الإرادة والاختيار، واعتبر أن أفكاره وأحاسيسه وسلوكه نتاج الجانب العضويوالمادي فيه .
* الواقعية الاشتراكية :هي واقعية جديدة طغت عليها النظرة الماركسية إلى الفنالأدبي ، وترى أن الأدب يجب أن يخدم هذه النظرة ويعبر عن الطبقة العاملة ، بالدفاععن حقوقها ومصالحها .
- إن الواقعية الاشتراكيةأفرزتها ظروف تاريخية واجتماعية معارضة للرومانسية والمثالية الطبيعية . إنالواقعية الاشتراكية تعتمد على تحليل الواقع تحليلا دقيقا ثم تقبل ما يوافقها وتطرحما عدا ذلك . كما تؤمن الواقعية الاشتراكية أن الواقع يمكن تغييره لأن الإنسان مالكلمصيره لذا باستطاعته أن يستعمل هذه الظروف لصالحه في تغيير الواقع ومن ثمّ تغييرهلنفسه .
وهذه الفكرة تعتبر من صميمالنظرية الاشتراكية فقد قال زعيمها ماركس : " الإنسان يعمل في الطبيعة الخارجيةويغيرها ، وفي الوقت نفسه يغير طبيعته ويطور الملكات الكامنة فيه ... " .
5-أثر الواقعية الغربية في الأدبالعربي الحديث
إن الواقعية الغربيةبنظرتها المتشائمة لم تستطع فرض نفسها على الأدب العربي الحديث ، فقد رسم أدبنانهجا خاصا به استوحاه من الواقع العربي بمشكلاته الاجتماعية وقضاياه السياسية ، وإنكان بعض الأدباء قد تأثروا في بداية الأمر بالواقعيين الغربيين ومن هؤلاء "محمودتيمور" الذي تأثر بالواقعية الفرنسية حيث كانت أعماله القصصية لوحات لأوضاعاجتماعية غلب عليها شيء من التخيل .
أما الواقعية الحقيقية فيأدبنا العربي الحديث فقد تجلت عند الدكتور طه حسين في كتابه المعذبون في الأرض وقدعبر عن رفضه لمظاهر الحرمان والفقر مطالبا بالعدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانيةللفرد . وخير ما أثمرته الواقعية في أدبنا ما كتبه "توفيق الحكيم" في روايته (يوميات نائب في الأرياف) سنة 1937 قدم وصفا دقيقا لحياة الفلاحين في الريف المصريمستعرضا مظاهر الجهل والمرض والحرمان والذل بين أجيال من الإقطاعيين المستبدين وقدترجمت هذه الرواية إلى أغلب لغات العالم وبذلك بلغ مرتبة سامية في سلم الأدبالعالمي .
كما ظهرت الواقعية في أدبنافي أعمال "يوسف إدريس" في روايته(الحرام) التي نالت رواجا واسعا وترجمت إلى لغاتعالمية كثيرة . كما نلمح الواقعية عند الأديب "عبد الرحمان الشرقاوي" في روايته "الأرض" وكذلك الأديب "يحي حقي" في مجموعته القصصية (ماء وطين) أما الواقعية فيالأدب الجزائري فقد تجلت في الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية التي تناولت الحياةالجزائرية عامة والريفية بوجه خاص ونجد ذلك في رواية (ابن الفقير) لـ "مولود فرعون" إذ صور فيها نشأته المعذبة ، كما وصف أيضا حياة الفلاحين البائسة ومعاناتهم اليومية، فالفلاح يقضي في حقل الإقطاعي قرابة ست عشرة ساعة يوميا فهو يخرج من كوخه قبلبزوغ الفجر ولا يعود إليه إلا بعد غروب الشمس ويقول في ذلك : " يسكنون بيوتا بدائيةفقيرة ، تتسلق قمما مرتفعة يعلو كل منها الآخر ، وكأنها عظام عمود فقري هائل لحيوانرهيب من حيوانات مل قبل التاريخ ... " .
كما صور الأديب الجزائري هذه الواقعية المؤلمة بكل صدقوإيمان نظرا لتجاربه في الحياة ومعاناته اليومية ، فهو صورة لهذا المجتمع المتألممن نير عبودية الاستعمار وسياسته الاستيطانية والاستعبادية وهذا ما نجده في رواية "محمد ذيب" (الحريق) الذي عبر قائلا : "لقد استولوا على كل شيء ، إنهم يريدون أنيصبحوا سادة أيضا ، لقد جعلوا من واجبهم الحقد علينا.وهاهم أولاء ينتزعون كل يومقطعة من لحمنا ، فيبقى مكانها جرح عميق لتسيل من حياتنا ... " .
كما نجد الشعر قد صور واقع الحياة الاجتماعية لهذا الشعبوهذا "محمد الأمين العمودي" يقول :
نفسي تريد العلا والدهريعكسها بالقهر والزجر إن الدهر ظلاّم
أبكي إذا اشتد إرزامالحوادث بي وللحوادث مثل الرعـد ارزام
إن حل عام جديـد قمـت أسأله قل لي : بماذا أتيت أيهاالعام؟
إني وإن حط سوء الحظ منزلتي وقد علا شرفـي بالظلم أقوام
كما نجد الأديب "محمد الصالح خبشاش" يعبر عن واقع المرأةالجزائرية المؤلم داعيا إلى تربيتها وتعليمها قائلا :
تركـوك بين عبـاءة وشقـاء مكؤوبـة في الليلـة الليلاء
دفنوك من قبل الممـات وحبذا لو مـت قبـل تفاقـم الأدواء
مسجونـة مزجـورة محرومة محفوفـة بمـلاءة سـوداء
وإلى جانب هذين الشاعرين هناك شعراء آخرون ، لم يقلّشعرهم أهمية ولا مكانة في وصف الواقع الجزائري المزري نذكر منهم "محمد العيد آلخليفة ، الشيخ إبراهيم أبي اليقضان ..."
المذهـب الرمـزي LeSymbolisme
نصاستهلالي :يقول جورج صيدح : "إن الرمز هو غير اللغز فاللغز لا يفهم ولايوحي ، أما الرمز فأنت تفهم إيماءته أضعاف ما تفهم من كلمته ... والإغراق فيالإيهام يسد منافذ الجو ، ويخلق أمام القارئ فراغا لا يستحث الفكر ولا يوقظالشعور"
ويقولالدكتور حامد حقي داود : " ... هذا الرمز والغموض هو ما أشار إليه النقاد العربالقدامى كقول بن سنان الخفّاش : أفخر الشعر ما غمض عنك فلم يعطك إلا بعض ما طلب منه " .
1-تعريف الرمزية
أ- لغـة :يعود أصلالكلمة إلى عصور قديمة لا يعرف مداها التاريخي ولكنها موحدة المعنى لدى الشعوبالقديمة فهي عند اليونانيين تدل على قطعة الفخار أو الخزف تقدم إلى الزائر الغريبعلامة على حسن الضيافة .
وعند العرب شرح المعجم اللغوي لسان العرب لابن منظور الرمز بحركات تقومبها العينان والشفتان لتؤدي معنى خفيا لا يؤدى تأديته باللفظ الصريح .
ب- اصطلاحا :المدرسة الرمزية حركةأدبية ظهرت فيالنصف الأخير من القرن 19م اعتمدت الرمز لغة والموسيقى إيقاعا والجمال غاية ومحورا .
والرمز هنامعناه الإيحاء أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوىاللغة على أدائها في دلالتها الوضعية ، بحيث تتولد المشاعر عن طريق الآثار النفسيةلا عن طريق التسمية والتصريح .
2-نشأتها
ظهرت الرمزية فيالنصف الثاني من القرن 19م وقد اعتمدت في أصولها الفلسفية على "مثالية أفلاطون" ومنظّرو الرمزية يشيرون إلى أن هذه الحركة تأثرت في نشأتها بالحركة الدينيةوالأسطورية التي قامت في تلك الحقبة ، كما لا يخلو الأدب الرمزي من تأثيرات ومقدماتفلسفية رصدت دوافعه ومن الفلاسفة الذين كتبوا ومهدوا للرمزية كانط المؤثر المباشر،وهربرت سبنسر الإنجليزي مؤسس الفلسفة التطورية .
وإذا ما استندناإلى مثالية أفلاطون فإن الرمزية تنكر الأشياء الخارجية المحسوسة ، ونراها فيالحقيقة رمزا للحقائق المثالية البعيدة عن عالمنا المحسوس .
3-تطور الرمزيةوأشهر أعلامها
من حيث الإطار الإعلامي الفعلي فإن نشأة الرمزية في الأدب الغربيالحديث يعود إلى سنة 1886م عندما أصدر "مورياس" رسالة أدبية تتضمن تعريفا مفصلابهذه المدرسة واعتبرت هذه الرسالة بمثابة أول منشور للرمزية وقد صدر هذا البيان فيالملحق الإداري لجريدة "الفيغارو" الفرنسية حيث قدم تعريفا بالمذهب الجديد وحددممثليه ورواده وهم شارل بودلار "1821-1867" وهو شاعر وكاتب فرنسي ولد عاش بباريس منمؤلفاته "زهور الشرles fleurs du mal /" وله مجموعة شعرية تعبيرية وترجم قصصلـ"ادغار آلامبو" ، ويعد بودلار الرائد الأول للرمزية في فرنسا و "ملارميه" المنظرالحقيقي الذي وهب الشعر معنى الغموض والأسرار الخارقة التي لا توصف أما الثالث فهو "فرلين" لأنه كسر قواعد الشعر المألوفة إلى نوع جديد هو الشعر الحر .
بعد ذلك بأسابيعظهرت مجلة الرمزي lesymboliste في أربع أعداد وقد أوضحتكثيرا من قواعد الرمزية ورسخت اتجاهاتها . ومن أبرز رواد الرمزية خارج فرنسا ويليامبلاك ، ويليام بيتلرياتس من ايرلندا وريزماريار يلكه وإلكسندر بلوك من روسيا أيضاوتوماس ستريس إليوت من أمريكا إلا أنه يحمل الجنسية الإنجليزية خاصة في مجموعتهالشعرية المسماة "الأرض الخراب the wasteland " .
يرى الرمزيون أناللغة لا قيمة لها في ألفاظها إلا ما تثيره هذه الألفاظ من الصور الذهنية التيتلقيناها من الخارج وعلى هذا الأساس تصبح اللغة وسيلة للإيحاء ، كما يرى الرمزيونأن الأدب يسعى إلى نشر الصورة الفنية ونقل خيال الكاتب إلى القارئ كما اهتم أصحابالمذهب الرمزي بالإيقاع الموسيقي في شعرهم ويرون أن الموسيقى وحدها هي التي توقظ فيالسامع أو القارئ مشاعره العاطفية التي تهز نفسه .
4-خصائص الرمزية
من أهم خصائص المذهب الرمزي نذكر ما يأتي
* انتفاء الواقع والتحري عن الروح في قلبه :فالرمزية اعتبرتالواقع الهادي زائفا في الدلالة على الحقيقة وإنه قناع يسترها، ذلك أن الشاعر إذاما رنا إلى البحر فإنه لا يذكر زرقته وموجه الهادر وإنما يتخذ البحر مادة للتأمل ،إنه يرنو إلى ميتافيزيقية البحر من حيث غاياته وغاية الإنسان والوجود فيتحولالإنسان البحر والبحر الإنسان كما يقول بودلار
أيها الإنسانالحرّ
ستحبّ البحر
البحر مرآة
* الغموض :يشكل الغموض العمود الفقري للأدب الرمزي والمقصودبالغموض ما يخيّم على القطعة الأدبية فتصبح مقتصرة على ذوي الاحساسات الفنيةالمرهفة ، فالرمزيون يكتفون بالإشارة إلى الحالة النفسية الغامضة بوسائل رمزية
* الإيحاء :إذا كانت الكلاسيكية تنقل المعاني عن طريق العقلوالرومانسية عن طريق الانفعال "العاطفة" فإن الرمزيين قد اهتموا بنوع آخر من هذهالمشاركة الوجدانية ما بين الكاتب والقارئ تقوم على نقل حالات نفسية من الكاتب إلىالقارئ وهو الإيحاء ومن هذه الكلمات الموحية : "الضوء الخافت- التموج- الألوانالهاربة-الأنغام- الغروب-الرحيل ... " كما أنهم يقربون بين الصفات المتباعدة (السكون المقمر-الضوء الباكي-الشمس المرة المذاق-القمر الشرس) . كما اهتموابالألوان من ذلك أن "رامبو" قد جعل لكل لون معنى
اللون الأحمر يرمزإلى الحركة والحياة الصاخبة والقتال والثورة والغضب والأعاصير
اللون الأخضريرمز إلى السكون والطبيعة والانطلاق وفكرة المستحيل والخلاص من عالم المادة
اللون الأزرقيرمز إلى العالم الذي لا يعرف الحدود وفيه انطلاق إلى ما وراء المادة الكونية
اللون الأصفر لونالمرض والشعور بالحزن والضيق والتبرم بالحياة
اللون الأبيضيمثل الطهر المثالي وهدوء السكينة ويرمز إلى الفراغ والجمود
اللون البنفسجيلون الرؤى الصوفية
* النغمة الموسيقية :الرمزية في نظر "فاليري" هي :" نية عدد من عائلات الشعراء في أن ينهلوا من الموسيقى" فالموسيقى لاتقرر أفكارا بل تعبر تعبيرا نغميا عما يشعر به الفرد ، وتنتقل هذه المشاعر منالمؤلف والعازف إلى المستمع وهذا "بودلار" في ديوانه (أزهار الشر) يكتب مقطوعةصغيرة عنوانها الموسيقى صور فيها الأثر العميق الذي تحدثه الموسيقى
تأخذني الموسيقى غالبا مثل بحر
نحونجمتي الشاحبة
تحتسقف ضبابي أو أثير واسع
أرفع الشراع
صدري إلى الأمام ورئتاي منفوختان
كالشراع
ويقول "فرلين " فيالموسيقى في قصيدته الفن الشعري : عليك بالموسيقى قبل كل شيء قم بالموسيقى أولاوأخيرا
وليكن شعركمجنحا
حتى لا يحسّأنه منطلق من الروح عابرا نحو سماوات أخرى
* تراسل الحواس :فاللمس والشم والسمع والبصر وسائل تعبير متداخلة ومتبادلةفبعضها ينوب عن بعضها الآخر في التأثير النفسي كوصف أحد الرمزيين للون السماء بقوله : "وكأن لون السماء في نعومة اللؤلؤ" وكقصيدة بودلار الشهيرة مراسلات التي يقول فيها:
ثمة عطورندية كجسد الأطفال
عذبة كآلة موسيقية
خضراء كالمروج
وهكذا شاهد الشاعر لون الاخضرار في العطر وسمع نغم المزمار ولامسه فيجسد الأطفال
* الرمزية أدب الصفوة :فهم لا يحفلونبسواد الشعب ويتوجهون إلى الصفوة بحيث يغدو فهم الأدب الرمزي مقصورا على الذينتمكنوا من بعض العلوم الإنسانية كعلم النفس الجماعي الذي شرحه كل من "يونغ" و"أدلر" وعلم التحليل النفسي الذي اكتشفه وعرفه العالم النمساوي "فرويد"
* الإيمان بالصنعةدون الإلهام : وفي ذلك يقول فاليري : "إذا آمن الشاعر بالوحي قتل الإبداع "
* اللجوء إلى الأساطير :وذلك عندما يصرفون موضوعات إنسانيةلها علاقة مباشرة بالفلسفة أو الأخلاق
وعليه انقسمت الرمزية إلى ثلاثة اتجاهات نجملها فيما يأتي
- الرمزيةاللغوية :وعملها نقل الصورة اللغوية من نفس إلى أخرى ، ويرى أصحاب هذا الاتجاهوعلى رأسهم "شارل بودلار" أن معطيات الحواس متداخلة أي أن كافة الحواس تستطيع أنتولّد وقعا نفسيا واحدا ، وأن جزء منها ينوب عن الآخر في التأثير النفسي ، ويتضحهذا في وصف أحد الكتاب سماء مغطاة بالسحب البيضاء حيث يقول : "وكأن لون السماء فينعومة اللؤلؤ"
- الرمزية الغيبية :وتهتم بطريقة إدراك العالم الخارجيوبالوجود الذهني الذي ينحصر فيه ويترأس هذا الاتجاه الفرنسي "ستيفان مالارميه "
- الرمزيةالباطنية :وهي تسعى إلى اكتشاف العقل الباطن وعالم اللاوعي " اللاشعور"
كما ذهب البعض إلى تقديمأقسام أخرى للرمزية مثل
أ- الرمزية الشعرية :ويظهر هذا الاتجاه في الشعر الغنائيوالشعر التمثيلي حيث تسعى إلى إحداث حالة نفسية خاصة، والأداة الأولى عنده للفعلالشعري هي "الكلمة" لتصبح واقعا ملموسا تلونها حروفها الصوتية وتصنع فيها الحياةحروفها الساكنة ، فالعمل الأول للشاعر عندهم هو إعطاء معنى أكثر صفاء للكلمات
ب- الرمزيةالموضوعية :حيث يلجأ الأدباء إلى معالجة المشاكل الإنسانية والأخلاقية بواسطةالخيال وبذلك تكون بعيدة عن مشاكل الواقع الحياتي ، فهي ترمي إلى تجسيد الأفكارلإيضاح الحقائق الفلسفية والأخلاقية
5- أثر المذهب الرمزي في الأدبالعربي الحديث
كان للترجمة التي قام بها عدد من الأدباء ، ولا سيما تلك التي قامتبنشرها مجلات عربية مشهورة مثل : المقتطف والمكشوف والرسالة والأديب ... أثر واضحفي نقل الآداب الغربية التي أخذت بأساليب المدارس الأدبية .
وقد مهد لهذهالترجمات الإطلاع المباشر على اللغات الأوروبية والأمريكية إثر الهجرات التي قامبها عدد من اللبنانيين والسورية إلى بلاد الغرب ولا سيما الولايات المتحدةالأمريكية
لقدلقيت الرمزية اهتماما من الشعراء العرب وانتشرت على أوسع نطاق . ولم يكن ظهورالرمزية في أدبنا خاضعا لنفس الظروف التي نشأت في كنفها الرمزية في الأدب الغربي
ومن مظاهر ذلك الرمزيةالجزئية لـ جبران خليل جبران خاصة في قصيدته "المواكب" التي اعتمدت في بعض صورهاعلى تراسل الحواس كما في قوله
هل تحممـت بعطـر وتنشـفـتبنـور
وشربت الفجرخمرا في كؤوس من أثير
وفيه انتقال الحس اللمسي "الاستحمام" مكان الحس الشمي "العطر" والحس البصري "النور" مكان الحس اللمسي "التنشف" والحس الذوقي "الشرب" مكان الحس البصري . وهذا لا يحقق لجبران رمزية كلية
لقد أجمعالدارسون لرمزية الأدب العربي أن "أديب مظهر" توفي 1928 أول شاعر في العربية أدخلشرارة الرمزية الحقيقية إلى اللغة العربية مع قصيدته المسماة (نشيد السكون) وكانيقدّر له أن يبرز إلا أن الموت عاجله وهو في السادسة والعشرين من عمره كما برزالشاعر اللبناني سعيد عقل "1818-1916" مؤسس صحيفة (البرق) وقد قتلته الأتراك نتيجةمواقفه السياسية المتشددة ، وهو من أوائل الأدباء العرب نقلا للرمزية الغربية . كمايرى أن الشعر يجب ألا يخبر بل يؤمن ويوحي ويلمّح وأصرّ على الإدراك اللامنطقيوالحدسي للعالم ، كما اعتبر أن الشعر موسيقى قبل أن يكون فنا فكريا . ومن الرمزيينأيضا: (يوسف غصّوب ، جورج صيدح ، إيليا أبو ماضي) . وبعد سنة 1950 شاعت في الشعرالعربي حركة جديدة تنتمي إلى الرمزية من أبرز أعلامها : من العراق (بدر شاكرالسيّاب ، عبد الوهاب البياتي ، سعدي يوسف ، نازك الملائكة ) ومن لبنان (خليلالحاوي ، يوسف الخال ، أدونيس) ومن مصر (صلاح عبد الصبور).