''ثِق بالله تر عجبًا''
الحياة في رحاب الله وبالقرب منه تزيد صاحبها أمنًا
وسعادة، بل وتجعل من مُرِّ البلاء طمأنينة قلبية وسكينة نفسية، ذلك أنّ
المؤمن يدرك تمام الإدراك أنّ ما أصابه لم يكن لِيُخطئه، وما أخطأه لم يكن
ليُصِيبَه، فيكون بذلك راضيًا عن الله، وعن مساره في الحياة، وعن رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم قال: ''عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كلَّه له خير وليس
ذلك لأحد إلاّ للمؤمن، إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته
ضرَّاءُ صبر فكان خيرًا له'' رواه مسلم.
والواقع أنّ كثيرًا ممّا يصيب إنسان اليوم من أزمات نفسية وعلل عضوية
وانعدام الثقة بين النّاس وكثرة العداوات ناتجة عن نسيان الله والبعد عنه،
قال تعالى: {نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ..} وقال عزّ وجلّ:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا...}، وهو ما
يطلق عليه علماء التزكية بـ''ضعف الإيمان''، وذلك راجع لسببين:
1ـ أن طبيعة الحياة الدنيا هي كذلك مزيج بين حلو ومر، بين سرَّاء وضرَّاء،
لا تكاد تصفو لأحد من النّاس.
2ـ أن طبيعة حياة الإنسان اقتضت ذلك بالفطرة والجِبِلَّة، فالكمال لله
وحده، أمّا المخلوقات فيعتريها النقص والضعف، قال جلّ وعلا: {وَخُلِقَ
الإنْسَانُ ضَعِيفًا}، فمَن أدرك هذه الحقيقة مُقرًا بضعفه وعجزه إذ تؤذيه
شوكة وينهار أمام الملمات والأزمات كان لزامًا عليه أن يحوّل الضعف إلى
قوة، واليأس إلى أمل والسخط إلى رضا، وكلّ ذلك لا ولَن يتأتى إلاّ إذا لجأ
العبد إلى مولاه من إليه يرجع الأمر كلّه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ
الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ الحمِيدُ}.
فالثقة بالله تحوّل الشقاء إلى سعادة والحزن إلى فرح والقنوط إلى أمل، فقط
إذا كانت صلة المؤمن بربّه قوية وصادقة، متوكّلاً عليه، مفوّضًا أمره إليه،
فهو سبحانه نعم المولى ونعم الوكيل والحسيب.. يلجأ العبد إليه في كلّ
أحواله.. فالضعيف بالله قوي، والفقير بالله غني، والمظلوم يلجأ إلى الله كي
ينتصر، والمحتاج كي يُعطى، تلك الثقة الّتي أنطق الله بها موسى عليه
السّلام يوم جاء فرعون من ورائه والبحر من أمامه: {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى
إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، قال الواثق بالله عزّ وجلّ، الواثق بنصره: {كَلا
إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، ويوم قال أبو بكر في الغار: والله لو
نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''ما
ظنُّك باثنين الله ثالثهما''، فنحن نحتاج إلى أن نثق بالله وبوعد الله
سبحانه وتعالى.....
فالخالق يفرح ويسر بسؤالك له، والمخلوق يغضب ويسخَط يقول في الحديث القدسي
الجليل: ''يا ابن آدم! لا تخشى من ذي سلطانٍ ما دام سلطاني باقٍ، وسلطاني
لا ينفذ أبدًا، يا ابن آدم! لا تخشَى من ضيق الرزق فخزائني مملوءة وخزائني
لا تنفذ أبدًا، يا ابن آدم! لا تطلب غيري وأنا لك، فإن طلبتني وجدتني، يا
ابن آدم! إن رضيتَ بما قسمتُه لك أرحتُ قلبكَ وبدنك وصرت عندي محمودًا، وإن
لم ترض بما قسمته لك، فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض
الوحوش في البرية، ثمّ لا يصيبك إلاّ ما قسمته لك، وصرت عندي مذمومًا....
فمن أعظم منّي جودًا وأنا الجواد الكريم''.
فمَن اعتمد على ماله قلٌ، ومَن اعتمد على عقله ضلٌ، ومَن اعتمد على جاهه
ذلٌ، ومَن اعتمد على الله فما قل وما ضل وما ذل، بل يتحوّل الألم أملاً
والمحنة منحة وبذلك يرى عجبًا لو عَلِمَ به ملوك الدنيا لجالدوا عليه.