قطوفٌ من سيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم)
قطوفٌ من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
النَّسب الشريف والنشأة الكريمة
حياته بإيجاز
نَسَبه صلى الله عليه وسلم
فهو (صلى الله عليه وسلم) محمدٌ ، رسول الله ، ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مَنَاف بن قُصي بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤي بن غالب بن فِهر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خزيمة بن مُدركة، بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدّ بن عدنان .
إلى هنا إجماع الأمة ، ومتفق عليه بين النسابين ، وما بعده مختلفٌ في ضبطه ، ونسبه عليه الصلاة والسلام خير نسبٍ على وجه الأرض على الإطلاق .
ـ أسماء الرسول (صلى الله عليه وسلم):
لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام أسماء متعددة تحمل أوصاف الحمد إضافة لصفات عظيمة من مقاصد بعثته ، وأشهر أسمائه محمد ، وبه سُمّيَ صريحاً في القرآن ، قال الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) [سورة الفتح: من الآية29]. وسُمي به صريحاً في التوراة، كما حققه العلامة ابن القيم. فتسميته (صلى الله عليه وسلم) بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد، فإنه (صلى الله عليه وسلم) محمود عند الله، ومحمود عند ملائكته، ومحمود عند إخوانه من المرسلين، ومحمود عند أهل الأرض.
ومن أسمائه: أحمد والمتوكل والحاشر والعاقب ونبي التوبة والفاتح ونبي الرحمة والأمين.
وكان (صلى الله عليه وسلم) يكنّى أبا القاسم بولده القاسم ، وكان أكبر أولاده.
ـ والدا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :
هو عبدالله بن عبدالمطلب كان أصغر أبناء والده العشرة وأحبهم إليه، وكان له في قريش حبٌّ ومكانة أثيرة.
وأما أمه فهي السيدة الكريمة: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. وكانت صفوة نساء قريش وفتياتها ، فهي أفضل امرأةٍ في قريشٍ نسباً وموضعاً وأعظمهنَّ شأناً.
وكان لهذا الزواج حمل أعظم خلق الله أجمعين ، وقد واكب حمل السيدة آمنة بالنبي (صلى الله عليه وسلم) أمارات ورؤى تنبئ عن قادم عظيم ، وكان من ذلك أنها لم تجد في حمله أي وحم أو وهنٍ أو ألم.
وخلال هذا الحمل فجع الجميع بخبر وفاة عبدالله ، لكن أعظم الأسى كان في نفس الزوجة الأثيرة آمنة ، التي لم تهنأ بزوجها إلا أياماً معدوة.
وحين مات عبد الله كان نبي الهدى (صلى الله عليه وسلم) حملٌ في بطن أمه آمنة ، وهذا أبلغ اليتم وأعلى مراتبه ، قال الله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى) [سورة الضحى:6] .
ـ المولد الشريف :
وُلِدَ (صلى الله عليه وسلم) بجوف مكة عام الفيل في شهر ربيع الأول يوم الاثنين في اليوم الثاني أو الثامن أو العاشر أو الثاني عشر على خلاف بين العلماء . ويوافق ذلك عشرين أو اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة 571 م ، وقد صاحب مولده بشارات ومعجزات عظيمة.
روى الإمام أحمد وغيره عن العرباض بن سارية السلمي ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : " إني عبد الله في أمِّ الكتاب لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بتأويل ذلك : دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى قومه ، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ، وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله عليهم " .
وبقي المولود المبارك محمد عليه الصلاة والسلام في رعاية أمه الرؤوم فترةً وجيزة ، حيث أرضعته أياماً معدودة ، ثم عُهد برضاعه إلى السيدة الجليلة حليمة بنت سعد في الطائف على عادة قريش في استرضاع صغارهم.
ـ مرضعاته وحواضنه:
تولى رضاعة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) في طفولته غير آمِّه آمنة امرأتان كريمتان هما: ثويبة مولاة أبي لهب، ثم أرضعته حَليمة السعدية.
وأما حواضنه: فمنهن أمُّه آمنة بنت وهب. ومنهن: ثويبة لدى إرضاعها له. وحليمة السعدية ، وبنتها الشيماء حيث كانت تحضنه مع أمها وتساعدها في ملاحظته عليه الصلاة والسلام.
ومن حواضنه : الفاضلة الجليلة أم أيمن بركة الحبشية ، والتي ورثها من أبيه وكانت تعامله معاملة الأم لابنها وهو كذلك يعاملها كأمه فيحسن إليها ويرفق بها ويتودد إليها (صلى الله عليه وسلم) .
ـ نبي الهدى (صلى الله عليه وسلم) في بادية بني سعد وحادثة شق الصدر:
تقول حليمة السعدية رضي الله عنها متحدثةً عن البركات التي صاحبت مقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندهم: فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا.
ولدى إقامته (صلى الله عليه وسلم) في بادية بني سعد وقعت له حادثة عجيبة جعلت أمه حليمة تخاف عليه وترجعه لأمه آمنة ، وهي الآية والمعجزة المعروفة بحادثة شقِّ الصدر ، وذلك عندما جاءه جبريل عليه السلام وهو (صلى الله عليه وسلم) يلعب مع الغلمان فأخذه وشق عن قلبه واستخرجه واستخرج منه عَلَقَة وقال له هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم ضم بعضه على بعض وأعاده لمكانه ، ثبت هذا في "صحيح مسلم".
قال أهل العلم : ولأجل ذلك نشأ عليه الصلاة والسلام على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان والبعد عن كل أنواع اللهو والملاذ الشهوانية الدنسة ، برغم أن مكة كانت تعج بذلك والسبيل إليها ميسور ، كما أنه لم يتدنس بأي شيء من أدناس الشرك ، فكانت سيرته وشمائله (صلى الله عليه وسلم) زكية طاهرة ، وهذا من تعهد الله به ورعايته له عن أن يقع في مزالق الطبع الإنساني ووساوس الشيطان.
ـ في كنف الأم الرؤوم:
بعد حادثة شق الصدر خشيت عليه حليمة فردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين.
وكانت عودته إلى أمه الكريمة في بداية السنة الخامسة من العمر المبارك للنبي عليه الصلاة والسلام، بعد أن قوي جسمه وبلغ من النضرة والفطنة ما لم يبلغه صبيٌّ في عمره ، فبدأ يدرج في كنف أمه الكريمة التي أشغلت به ليلها ونهارها ، حتى بات كل شيء في حياتها. عندما بلغ عليه الصلاة والسلام ست سنين ذهبت به أمه آمنة إلى المدينة لزيارة أخوال أبيه بني النجار وأقامت به هناك شهراً من الزمان .
وفي طريق العودة من المدينة إلى مكة حل بالسيدة آمنة مرضٌ لم يمهلها حتى ماتت وهي في الطريق ، فشاهد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فراقها وقاسى لوعة ذلكم الفراق وهو ابن ست سنين
ولعل من الحكم في موت أبويه وهو في سنٍّ مبكرة ليكون ذلك أبلغ في إظهار عناية الله به ،وأنه مع موت والديه فقد أحاطه ربه بعنايته ، وجبله على كل خير وعلمه ما لم يعلمه غيره مع غياب أهم مصدرين للعلم والأخلاق للأطفال وهما الأبوان .