المسيخ الدجال
عن أنس رضي الله عنه قال :
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور
الكذاب .. ألا إنّه أعور ، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه : "
ك . ف . ر" متفق عليه .
بهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه عن المسيح الدجال .
...فقال
له أصحابه : يا رسول الله ؛ أكثرْتَ الحديث عنه ، فخفنا ، حتى ظنناه
قريباً منا ، وكأنه سيطلع علينا بعد قليل من ناحية هذا النخيل .
قال
صلى الله عليه وسلم : غيرَ الدجال أخوفني عليكم ، إذا خرج فيكم فأنا حجيجه
دونكم – أكفيكم مؤونته - ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيجُ نفسه – فكل
منكم مسؤول عن نفسه - ، والله خليفتي على كل مسلم .
قالوا : يا رسول الله صفه لنا .
قال
: إنه شاب شديد جعود الشعر ، عينه اليمنى بارزة ناتئة كأنها عَنَبةٌ ، قد
ذهب نورُها ، أعور ، يدّعي الألوهية ، مكتوب على جبينه : كافر ... يرى
المؤمن ذلك واضحاً .
قالوا : فمن أين يخرج يا رسول الله ؟.
قال : يخرج من طريق بين الشام والعراق ، فيعيث فساداً في الأرض أينما ذهب .
قالوا : فما لبثه في الأرض ؟ - كم يبقى في الأرض –
قال : أربعون يوماً : يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم .
قالوا : يا رسول الله ؛ فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ - فالصلاة للمسلم كالماء للحي ، لا يعيش دونها .
قال : لا : اقدروا له قدْرَه ... - فلا بد من تقسيم الوقت في هذا اليوم ، وكأنه سنة - .
قالوا : فمن يتبعه ؛ يا رسول الله ؟ .
قال : يتبع الدجالَ - من يهود أصفهان – سبعون ألفاً عليهم الطيالسة " ثياب اليهود المزركش بالأخضر " .
قالوا : يا رسول الله ؛ كيف سرعته في الأرض ؟.
قال : كالغيث استدبرته الريح – إسراع المطر الذي تسوقه الريح بشدة ، فيصل إلى كل بقاع الأرض - .
قالوا : أيدخل كل البلاد ويفسدها؟! .
قال
: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ، إلا مكة والمدينة ، تحول الملائكة بينه
وبينهما صافـّين يحرسونهما . فإن وصل المدينة نزل بالسبخة القريبة منها ،
فترجف المدينة ثلاث رجَفات ، يُخرج الله منها كل كافر ومنافق .
قالوا : فماذا نفعل ، إن ظهر ونحن أحياء ؟
قال
: انفروا في الجبال ، ولا تقفوا في طريقه ، فما بين خلق آدم إلى قيام
الساعة أمرٌ أكبر من الدجال ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف
.
قالوا : فما الذي يفعله ؟!
قال : يأتي على القوم ، فيؤمنون به ،
ويستجيبون له . فيأمر السماء ، فتمطر، والأرضَ فتنبت، وتعود عليهم إبلهم
وبقرهم وأغنامهم ضخمة الأجسام ، ممتدة في الطول والعرض سِمَناً ، ويكثر
لبنُها . – وهذا استدراج كبير نسأل الله الثبات على دينه - .
ويمر
بالخِربة التي هجرها أهلها منذ غابر الأزمان ، فيقول لها : أخرجي كنوزك ،
فتتبعه كنوزها كذكور النحل المجتمعة ، فيزداد أتباعُه به ضلالاً .
ويأتي
على القوم ، فيدعوهم ، فيردون عليه قوله ، ويثبتهم الله على الإيمان ،
فينصرف الدجال عنهم ، فيصبحون ممحلين ، ينقطع الغيث عنهم ، وتيبس الأرض
والكلأ ، ليس في أيديهم شيء من أموالهم ولا أنعامهم ، نسأل الله أن يثبتهم
على دينهم .
قالوا : يا رسول الله ؛ أمعه شيء غير هذا ؟.
قال : نعم
.... فمن ذلك أن الدجال يخرج ومعه ماء ونار . فأما الذي يراه الناس ماء
فنار تحرق ، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد وعذب . فمن أدركه منكم
فلْيقعْ في الذي يراه ناراً ، فإنه ماء عذب طيب .
قالوا : يا رسول الله ؛ أفلا نحاجه ، ونكذّبه ؟ .
قال : لا يظنّنّ أحدكم أنه قادر على ذلك . فإذا ذهب إليه فتنه ، فتبعه ، فضلّ وكفر .
قالوا : فمن أعظم شهادة عند رب العالمين إذ ذاك ؟.
قال
: يتوجه إليه رجل من المؤمنين ، فيتلقّاه مقدّمة جنود الدجال ... فيقولون
له : إلى أين تذهب أيها الرجل ؟ فيقول : أعمد إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه
إله ... فيتعجبون من جوابه ، ويسألونه : أوَ ما تؤمن بربنا ؟! فيقول : هذا
ليس رباً ، إنما ربكم الذي خلق السموات والأرض ، وما هذا إلا مارق كافر .
فيثورون
فيه ، ويتنادَون لقتله ، ويهمّون بذلك ، لولا أن كبيرهم يذكّرهم أن الدجال
أمرهم أن لا يقتلوا أحداً حتى يُعلموه بذلك . فيقيّدونه وينطلقون به إلى
الدجال .
فإذا رآه المؤمن صاح بأعلى صوته : أيها الناس ؛ لا يغرنكم هذا
الشيطان ، فإنه أفـّاك دجال ، يدّعي ما ليس له ، هذا الذي حذركم منه رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
فيشتد غضب الدجال ، ويأمر زبانيته ، فيوثقونه
مشبوحاً ، ويوسعون ظهره وبطنه ضرباً . فيقول الدجال مغضباً آمراً رجاله أن
يُؤذوه ويشجوه ، فيزداد الرجل المؤمن إيماناً .
حينذاك يأمر الدجال
رجاله أن ينشروه بالمنشار من رأسه إلى أن يفرق بين رجليه ، فيفعلون ،
ويُبعدون القسمين أحدهما عن الآخر ... فيمشي الدجال بينهما مستعرضاً
ألوهيته ، فيخر الناس ساجدين له ـ فينتشي عظمة وخُيلاء .
ثم يقول له :
قم .. فيقترب النصفان ، فيلتحمان ، فيعود الرجل حياً ، فيقول له الدجال :
أتؤمن بي إلهاً ؟ . فيتهلل وجه المؤمن قائلاً : ما ازددت فيك إلا بصيرة ،
وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنك ستفعل بي ذلك .
ينادي الرجل
بأعلى صوته : انتبهوا أيها الناس ، إنه لن يستطيع أن يفعل بعدي بأحد من
الناس شيئاً ، لقد بطل سحره ، وعاد رجلاً مسلوب الإرادة كما كان . فيأخذه
الدجال ليذبحه ، فلا يستطيع إليه سبيلاً ، لأن الله تعالى جعل ما بين رقبته
إلى ترقوته نحاساً ، فيأخذ الدجال بيديه ورجليه فيقذف به . فيحسب الناس
أنما قذفه إلى النار ، وإنما ألقي في الجنة .
فهذا أعظم شهادة عند رب العالمين .
قالوا : يا رسول الله ؛ كيف ينقذنا الله من فتنة الدجال ؟
قال : في هذه اللحظة – حين يبلغ السيل الزبى – يرسل الله أخي عيسى ، ليكون السهم الذي يصمّ به عدوّ الله وعدوّكم .
قالوا : وأين يكون عيسى عليه السلام ، يا رسول الله ؟.
قال
: إنه في السماء ، رفعه الله تعالى إليه حين مكر اليهود به ، وأرادوا قتله
. ورعاه هناك ليعود إلى الأرض في الوقت الذي قدّره الله تعالى ، وللأمر
الذي يريده سبحانه .
قالوا : صفه لنا ، يا رسول الله ؟ .
قال : ينزل
عند المنارة البيضاء ، شرقيّ دمشق ، يلبس ثوبين جميلين ، واضعاً كفيه على
أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه انحدر منه ماء الوضوء ، وإذا رفع رأسه انحدر
منه قطرات الماء كأنها اللؤلؤ الصافي . فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا أن
يموت ،وينتهي نفَسُه إلى حيث ينتهي طَرْفُه.
قالوا : أليس في ذلك الوقت جماعة للمسلمين ؟.
قال
: بلى ، إنه المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعد أن مُلئت جَوراً
وظلماً . ينصر الله المسلمين على يديه ، إنه من آل بيتي ، من ولد الحسن بن
علي ، وهو الذي يفتح روما عاصمة الروم " الإيطاليين " ، يبيد جيوش أوربة
الكافرة .
قالوا : ولم يجتاح الدجال البلاد ، والمسلمون أقوياء إذ ذاك ؟! .
قال : ألم أقل لكم : إنها الفتنة الكبرى ، حيث يرتد كثير من المسلمين على يد المسيح الدجال .
قالوا : وأين يكون المهدي ؛ يا رسول الله ؟
قال
: في القدس يحاصره الدجال ، ويحاول اقتحامها ليجعلها عاصمته الأبدية ،
عاصمة اليهود ودجالهم . والمهدي وجنوده يدافعون عنها ، ويقاتلون ما وسعهم
القتال .
قالوا : وماذا يفعل المسيح عليه السلام حين ينزل في دمشق ؟.
قال : ينطلق إلى القدس ، فيدخلها ، فيتعرف المهديّ عليه والمسلمون ، ويفرحون لنزوله ، فيستلم قيادة المسلمين ، ويهاجم الدجال .
قالوا: فماذا يفعل الدجال حين يسمع بعيسى عليه السلام قادماً ؟.
قال
: يفر من بين يديه إلى اللد ؛ وهي مدينة في فلسطين ، قريبة من القدس ،
لكنّ عيسى عليه السلام يتبعه ، ويطعنه برمحه ، فيذوب بين يديه كما يذوب
الملح في الماء ... ويرفع الله الهمّ والغمّ عن المسلمين ، ويحدثهم عيسى
رسول الله بدرجاتهم في الجنة ، ويمسح عن وجوههم بيده الشريفة ، فما في
الدنيا إذ ذاك أعظم سعادة منهم .
رواه مسلم