من محبطات الأعمال.. النفاق
الحمد لله أحاطَ بكلِّ شيء خُبْرًا، وجعل لكلِّ شيءٍ قَدْرًا، وأسبلَ على الخلائق من حفظه سِتْرًا، وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافةً عذرًا ونُذرًا، وعلى آله وصحبه أخلدَ الله لهم ذكرًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، أما بعد..
فمع المحبط الثاني عشر من محبطات الأعمال وهو:
الـنّـفـــــــــاق:
قال الله تعالى: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ(68) كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [التوبة:68،69]. يقول تعالى واصفًا حال المنافقين إنَّ حالكم أيها المنافقون كحال أمثالكم ممن سبقوكم إلى النفاق والكفر، وقد كانوا أقوى منكم وأكثر أموالاً وأولادًا، واستمتعوا بما قدر لهم من حظوظ الدنيا، وأعرضوا عن ذكر الله وتقواه، وقابلوا أنبياءهم بالاستخفاف، وسخروا منهم فيما بينهم وبين أنفسهم.
وقد استمتعتم بما قدر لكم، من ملاذ الدُّنيا كما استمتعوا، وخضتم فيما خاضوا فيه من المنكر والباطل.
إنهم قد بطلت أعمالهم، فلم تنفعهم في الدنيا ولا في الآخرة، وكانوا هم الخاسرين وأنتم مثلهم في سوء الحال والمآل، والعاقبة الوخيمة (تيسير الكريم الرحمن).
قال ابنُ رجب: "والذي فسَّره أهلُ العلم المعتبرون أنَّ النفاقَ في اللغة من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وإبطان خلافه" (جامع العلوم).
والنِّفاق اصطلاحًا هو إظهارُ الإيمان باللسانِ وكتمانُ الكُفْر بالقلب (نضرة النعيم)، وقد هتكَ الله سبحانه وتعالى أستارَ المنافقينَ، وكشفَ أسْرَارهمْ في القرآن، وجلَّى لعبادِه أمُوَرهم ليكونوا منها ومِنْ أهْلِهَا على حذرٍ.
وذكرَ طوائفَ العالَمِ الثَّلاثة في أوَّلِ سورةِ البقرة؛ المؤمنينَ، والكفَّارَ، والمنافقينَ.
فذكرَ في المؤمنينَ أربع آياتٍ، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية؛ لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدَّة فتنتهم على الإسلام وأهله، فإنَّ بلية الإسلام بهم شديدة جدًا، لأنهم منسوبون إليه، وإلى نُصرته وموالاته، وهم أعداؤُه في الحقيقةِ، فلا يزالُ الإسلامُ وأهله منهم في محنةٍ وبليةٍ، لبسوا ثياب أهل الإيمان على قلوب أهل الزيغ والخسران، والغلِّ والكفران، فالظواهرُ ظواهرُ الأنصار، والبواطن قد تحيزتْ إلى الكفار، فألسنتُهم ألسنةُ المُسالمين، وقلوبهم قلوبُ المحاربين، ويقولون {آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8].
ففسادُهم في الأرض كثير، وأكثرُ الناس عنه غافلون {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة:11،12]، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13].
لكلٍّ منهم وجهان وجهٌ يلقَى به المؤمنينَ، ووجهٌ ينقلبُ به إلى إخوانه من الملحدينَ، {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14].
وزيادةً في كشفِ حقيقةِ القوم وبيان زيغهم وضلالهم ضربَ الله تعالى لهم مثلين، فقال سبحانه: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17].
وذلك مثلُ مَن آمن منهم ثم كفر، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:3]، فضرب الله لهؤلاء مثلاً كمثل رجلٍ دخل مغارةً مظلمةً في ليلة باردة فاستوقد من غيره نارًا يستضيء بها، فما أن دخل المغارة وأبصر ما فيها وعرف مكانه حتى انطفأت النارُ، فقام حيران لا يدري من أين يخرج؟ ولا إلى أينَ يذهب؟
وكذلك المنافقون لما آمنوا وسعى نُور الإيمان بين أيديهم فانتفعوا به ومشوا به في الناس، فلما كفروا فقدوا هذا النور وقاموا حيارى في طُغيانهم يعمهون، لا يبصرون طريقًا ولا يهتدون سبيلاً فهم {صُمٌّ} لا يسمعون {بُكْمٌ} لا ينطقون، {عُمْيٌ} لا يبصرون، {فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [البقرة:18].
أسماع قُلوبهم قد أثقلها الوقرُ، فهي لا تسمع منادي الإيمان، وعيونُ بصائرهم عليها غشاوة العمى، فهي لا تبصر حقائق القرآن، وألسنتهم بها خرسٌ عن الحقِّ فهم بها لا ينطقون {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [البقرة:18].
ثمَّ ضرب الله مثلاً آخر للفريق الثاني من المنافقين، وهم الحيارى المترددون الذين يتجلى لهم الحق أحيانًا فيهمون بقبوله، ثم تضعف إرادتهم فينكصون، فقال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ} [البقرة: 19].
فمثلُ هؤلاء الحيارى المترددين كمثل رجل في صحراء في ليلةٍ شاتية ذات رعد وبرق فهو خائفٌ مستوحشٌ إذا سمع الرعد خاف على سمعه فجعل أصابعه في أذنيه، وإذا رأى البرق خاف على بصره، وما منع حذرٌ من قدر، {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} [البقرة:20]؛ لأنهم في قبضته وتحت قهره ومشيئته، {واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ} [البقرة: 19]. وهذا الرجلُ في تلك الظلمةِ إذا أضاء له البرقُ مشي، وإذا أظلم قام حيران، وكذلك هؤلاء المنافقون المذبذبون يتجلى لهم الحق فيكادُ يأخذ بقلوبهم، ثم تغلب ظلمة قلوبهم نُور الحق فينكسون دين الفطرة. (د.عبد العظيم بدوي) .
{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} [التوبة:64]، ولقد هتك الله أستارهم، وكشف أسرارهم، وضرب لعباده أمثالهم ليكونوا منهم على حذر.
أولاً: يتربصون الدوائر بأهل القرآن والسنة.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 140،141].
ثانيًا: يعجب السامع قول أحدهم لحلاوته ولينه.
قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:204].
ثالثًا: أوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البلاد والعباد.
{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} [البقرة:205].
رابعًا: يأمرونَ بالمنكر، وينهونَ عن المعروف، ويبخلون بالمال في سبيل الله ومرضاته.
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة:67].
خامسًا: إن حاكمتهم إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين، وإن دعوتهم إلى حكم كتاب الله وسنة رسوله رأيتهم عنه معرضين.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} [النساء:61].
سادسًا: أحسنُ الناسِ أجسامًا وأخلبهم لسانًا وألطفهم بيانًا وأخبثهم قلوبًا.
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4].
سابعًا: إن أصابَ أهلَ القرآن والسنة عافيةٌ ونصرٌ وظهورٌ ساءهم ذلك وغمهم، وإن أصابهم ابتلاءٌ من الله وامتحان يمحِّصُ به ذنوبهم ويكفر به عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم.
{إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ(50) قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:50،51].
ثامنًا: ثقلت عليهم النصوص فكرهوها {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9].
تاسعًا: مطيتهم الكذب بشهادة الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].
وقال تعالى: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر:11]
بل ويؤكَّد كَذِبُهُمْ بالأيمان الفاجرة الآثمة، قال الله عنهم: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14].
{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} [الأحزاب: 13].
عاشرًا: يؤخرون الصلاة عن وقتها، وإذا قاموا إليها قاموا وهم كُسَالَى.
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 142].
وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54].
وعليه، فإنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب لها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر، ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده، ولا يتشبه بالمنافقين (تيسير الكريم الرحمن).
حادي عشر: إذا عاهدُوا لم يفوا.
{وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ(75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ(76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} [التوبة: 75-77].
ثاني عشر: يطلبون العزَّة من الكافرين.
قال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً(138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} [النساء:138،139].
ثالث عشر: من دأبهم التردد.
{فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45].
{مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [النساء: 143].
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، لا تدري أيهما تتبع» [صححه الألباني].
رابع عشر: التخلف عن صلاة الجماعة.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "مَن سرَّه أن يَلْقَى الله تعالى غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإنَّ الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى أي يتمايل بين الرجلين حتى يقام في الصف" صحيح مسلم
وفي رواية له قال إنّ رسول الله علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه.
خامس عشر: ثقل صلاتي الفجر والعشاء عليهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» [رواه البخاري].
وعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا لا قال: أشاهد فلان؟ قالوا لا قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الركب» [حسنه الألباني].
سادس عشر: تأخير صلاة العصر إلى الاصفرار.
عن أنس قال سمعت رسول الله يقولُ: «تلك صلاة المنافق. يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» [ رواه مسلم].
سابع عشر: الخيانة والغدر.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» [رواه البخاري].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» [رواه البخاري].
ثامن عشر: حالهم في الأمن علو ألسنتهم بالقول العنيف، وعند البأس هم أجبن قوم.
قال تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} [الأحزاب: 19].
فهذه بعض أمارات النِّفاق، فاحذرها فإن الله تعالى يقول: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [التوبة: 68].
وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء: 140].
ثم أخبر سبحانه أن المنافقين أسفل من الكافرين في النار، فقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} [النساء: 145].
أموالهم وأولادهم عذاب عليهم {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55].
وحسب المنافق أن يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9].
إذا جُمعوا ليومِ التلاقِ، وتجلَّى الله جل جلاله للعباد وقد كشف عن ساقٍ ودُعُوا إلى السُّجُود فلا يستطيعون {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 42-43].
كيف بهم إذا حُشِرُوا إلى جسر جهنم؟
وهو أدقُ من الشعرة، وأحد من السيف، وهو دحضٌ مزلة، مظلم لا يقطعه أحد إلا بنور يبصر به مواطئ الأقدام، فقُسمت بين الناس الأنوار، وهم على قدر تفاوتها في المرور، وأُعطوا نورًا ظاهرًا مع أهل الإسلام، كما كانوا بينهم في هذه الدار يأتون بالصلاة والزكاة والحج والصيام، فلما توسطوا الجسر عصفت على أنوارهم أهوية النفاق، فأطفأت ما بأيديهم من المصابيح، فوقفوا حيارى لا يستطيعون المرور، فضرب بينهم وبين أهل الإيمان بسُورٍ له باب، باطنه الذي يلي المؤمنين فيه الرحمة، وما يليهم من قبلهم العذاب والنقمة.
{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} [الحديد: 13-14].
نصومُ كما تصومونَ، ونصلِّي كما تُصلُّون، ونقرأ كما تقرءونَ، ونتصدقُ كما تصدَّقون، ونحج كما تحجون؟ فما الذي فرَّق بيننا اليوم حتى انفردتم دوننا بالمرور؟
{قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُور(14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد: 14-15].
تالله لقد قَطَعَ خوفُ النِّفاقِ قلوبَ السابقينَ الأولين لعلمهم بدقه وَجُلِّه، وتفاصيله وجُمله، ساءَتْ ظُنُونُهم بِنُفوسِهم، حتى خشوا أن يكونوا من جملة المنافقين، قال عمر بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما: يا حذيفة، نشدتك بالله، هل سماني لك رسول الله منهم؟".
وقال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب محمد كلهم يخاف النفاق على نفسه".
وعن حنظلة الأسيدي وكان من كتاب رسول الله قال: لقيني أبو بكر فقال: "كيف أنت يا حنظلة؟"، قال قلت: "نافق حنظلة". قال: "سبحان الله، ما تقول؟!"، قال قلت: "نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات. فنسينا كثيرا". قال أبو بكر: "فوالله، إنا لنلقى مثل هذا". فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟»، قلت: "يا رسول الله، نكون عندك. تذكرنا بالنار والجنة. حتى كأنا رأى عين. فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات. نسينا كثيرا". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم. ولكن يا حنظلة! ساعة وساعة» ثلاث مرات [رواه مسلم].
تالله، لقد مُلئت قلوبُ القوم إيمانًا ويقينًا، وخوفهم من النفاق شديد وهمهم لذلك ثقيل، وسواهم كثير منهم لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، وهم يدعون أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل (بتصرف موارد الظمآن لدروس الزمان).
فاحذر يا أخي الوقوع في صفات المنافقين وجانب نعوتهم، واجتهد في إخلاص عملك لله والقيام بالعبادة له ظاهرًا وباطنًا، وأدِّ الصلوات المفروضة مع الجماعة وأنت عظيم الرغبة شديد الفرح بها، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فهو آية الإيمان، وعليك بالثبات على الحق، وأكثر من ذكر الله، واصدق في حديثك، وأدّ ما ائتمنت عليه على التمام، وفِ بعهدك على الدوام، وكن حليمًا في الخصام، وسل الله يهب لك إيمانًا راسخًا، وأن يعافيك من النفاق.
«اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم والقسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة. وأعوذ بك من الفقر والكفر، والفسوق والشقاق والنفاق، والسمعة والرياء. وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام والبرص وسيئ الأسقام» [صححه الألباني].
آمين آمين.