سورة الماعونمكية وأياتها سبع أيات بين يدي السورة* هذه السورة مكية ، وقد تحدثت بأيجاز عن فريقين من البشر هما:
أ - الكافر الجاحد لنعم
الله ، المكذب بيوم الحساب والجزاء .
ب - المنافق الذي لا يقصد بعمله وجه الهل ، بل يرائي في أعماله وصلاته.
*
أما الفريق الأول : فقد ذكر تعالى من صفاتهم الذميمة ، أنهم يهينون اليتيم ويزجرونه ، غلظة لا تأديبا، ولا يفعلون الخير، حتى ولو بالتذكير بحق المسكين والفقير، فلا هم أحسنوا في عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه
[أرأيت الذي يكذب بالدين ؟ فذلك الذي يدع اليتيم . ولا يحض على طعام المسكين . . ] الأيات.
*
وأما الفريق الثاني : فهم المنافقون ، الغافلون عن صلاتهم ، الذين لا يؤدونها في أوقاتها ، والذين يقومون بها "صورة" لا (معنى) المراءون بأعمالهم ، وقد توعدت الفريقين بالويل والهلإلي ، وشنعت عليهم أعظم تشنيع ، بأسلوب الاستغراب والتعجيب من ذلك الصنيع ! ! .
(فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراءون ويمنعون الماعون) اللغة:
[يدع ] يدفع بعنف وشدة يقال : دعه دعا أي دفعه دفعا ، ومنه قوله تعالى
[يوم يدعون إلى نار جهنم دعا] [يحض ] الحض : الحث والترغيب
[ساهون ] جمع ساهي يقال : سها عن كذا يسهو سهوا، إذا تركه عن غفلة
[الماعون ] الشيءالقليل ، من المعن وهو القلة، تقول العرب : "ما له معنة ولا سعنة" أي ما له قليل ولا كثير من المال ، قال المبرد والزجاج : الماعون كل ما فيه منفعة ، كالفأس ، والقدر ، والدلو، وغير ذلك .
التفسير:
[أرأيت الذي يكذب بالدين ]؟ إستفهام للتعجيب والتشويق أي هل عرفت الذي يكذب بالجزاء والحساب في الآخرة؟ هل عرفت من هو، وما هى أوصافه ؟ إن أردت أن تعرفه
[فذلك الذي يدع اليتيم ] أي فذلك هو الذي يدفع اليتيم ، دفعا عنيفا بجفوة وغلظة ، ويقهره ويظلمه ، ولا يعطيه حقه
[ولا يحض على طعام المسكين ] أي ولا يحث على إطعام المسكين ،
قال أبو حيان : وفي قوله
[ولا يحض) إشارة إلي أنه هو نفسه لا يطعم إذا قدر، وهذا من باب الأولى ، لأنه إذا لم يحقق غيره بخلا، فلأن يترك هو ذلك فعلا أولى وأهدى ،
وقال الرازي : فإن قيل : لم قال :
[ولا يحض على طعام المسكين ] ولم يقل : ولا يطعم المسكين ؟ فالجواب أنه إذا منع اليتيم حقه ، فكيف يطعم المسكين من مال نفسه ؟ بل هو بخيل من مال غيره ، وهذا هو النهاية في الخسة، ويدل على نهاية بخله ، وقسوة قلبه ، وخساسة طبعه ، والحاصل أنه لا يطعم المسكين ، ولا يأمر بإطعامه ، لأنه يكذب بالقيامة، ولو آمن بالجزاء وأيقن بالحساب ، لما صدر عنه ذلك
[فويل للمصلين ] أي هلاك وعذاب ودمار ، للمصلين المنافقين ، المتصفين بهذه الأوصاف القبيحة
[الذين هم عن صلاتهم ساهون ] أي الذين هم غافلون عن صلاتهم ، يؤخرونها عن أوقاتها تهاونا بها ،
قال ابن عباس : هو المصلي الذي إن صلى لم يرج لها ثوابا، وإن تركها لم يخش عليها عقابا ،
وقال أبو العالية : لا يصلونها لمواقيتها ، ولا يتمون ركوعها ولا سجودها ، وقد سئل
رسول الله (ص)عن الآية فقال :
(هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها) قال المفسرون : لما قال تعالى
[عن صلاتهم ساهون ] بلفظة
[عن ] علم أنها في المنافقين ، ولهذا
قال بعض السلف : الحمد لله الذي قال
[عن صلاتهم ] ولم يقل "في صلاتهم " لأنه لو قال "في صلاتهم " لكانت في المؤمنين ، والمؤمن قد يسهو في صلاته ، والفرق بين السهوين واضح ، فإن سهو المنافق سهو ترك ، وقلة إلتفات إليها ، فهو لا يتذكرها ويكون مشغولا عنها ، والمؤمن إذا سها في صلاته تداركه في الحال ، وجبره بسجود السهو، فظهر الفارق بين السهوين ! ! ثم زاد تعالى في بيان أوصافهم الذميمة فقال :
[الذين هم يراءون ] أي يصلون أمام الناس رياء ليقال : إنهم صلحاء ، ويتخشعون ليقال : أنهم أتقياء ، ويتصدقون ليقال إنهم كرماء ، وهكذا سائر أعمالهم للشهرة والرياء
[ويمنعون الماعون ] أي ويمنعون الناس المنافع اليسيرة ، من كل ما يستعان به ، كالإبرة ، والفأس ، والقدر ، والملح ، والماء وغيرها . . وفي الآية زجر عن البخل ، بهذه الأشياء القليلة الحقيرة، فإن البخل بها نهاية البخل ، وهو مخل بالمروءة .
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البديع والبيان نوجزها فيما يلي :
1- الاستفهام الذي يراد به تشويق السامع إلى الخبر والتعجيب منه
[أرأيت الذي يكذب بالدين ]؟
2- الإيجاز بالحذف
[فذلك الذى يدع اليتيم ] حذف منه الشرط ، أي إن أردت أن تعرفه ، فذلك الذي يدع اليتيم ، وهذا من أساليب البلاغة.
3- الذم والتوبيخ
[فويل للمصلين ] ووضع الظاهر مكان الضمير "فويل لهم " زيادة في التقبيح ، لأنهم مع التكذيب ساهون عن الصلاة .
4- الجناس الناقص
[ويمنعون الماعون) ويسمى جناس الاشتقاق
5- توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات مثل
( ساهون ، يراءون ، الماعون) الخ.
.....انتهئ تفسير سورة الماعون.....
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]