البنيوية مفهوم اللغة

المقدمة
يتفق النقد المعاصر و النقد الحديث في تحليل النص الأدبي من داخله، كما يختلف معه في أمور كثيرة وعلى أية حال فإن النقد المعاصر يتمثل في البنيوية و التي تعتبر منهجا من أحدث المناهج النقدية التي اجتاحت الساحة الأدبية منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين. و في عرضنا هذا سنقوم بإلقاء الضوء على هذا المنهج.
1- تعريف البنيوية: اشتقت البنيوية من لفظ البنية التي تعني تكوين الشيء أو الكيفية التي يشيد عليها. و يعرفها دي سوسير واضع أسس البنيوية على أنها تنظيم يعبر عن تماسك العلاقات داخل النص الموحد.
و بشكل أوضح فنقصد بدراسة أي ظاهرة أو تحليلها من الوجهة البنيوية أن يباشر الدارس أو المحلل وضعها بحيثيتها و تفاصيلها و عناصرها بشكل موضوعي من غير تدخل فكره أو عقيدته الخاصة في هذا أو تدخل عوامل خارجية كـ (حياة الأديب أو التاريخ) في بنيان النص. أي التحليل المحايث للنص الأدبي.

2- نشأتــها:
يعد العالم اللغوي فيرديناند دي سوسيرأول من أرسى معالم هذا المنهج من خلال محاضراته التي ألقاها عن ثنائياته المشهورة، وقد قامت البنيوية على هذه الثنائيات اللغوية المتقابلة ، وان كان سوسير لم يعبر بلفظ (بنية) وإنما (نظام).
وقد بدأت إرهاصاتها مع الشكلانية الروسية التي ازدهرت في النصف الأول من القرن العشرين وكان من ابرز أعلامها "فيكتور شكلوفسكي" و"رومان جاكبسون"،ثم انتقل المفهوم الجديد للشكلية الروسية إلى مدرسة براغ والتي كان من أهم أعلامها "موخاروفسكي" ، ولكن نشاطها توقف بعد غزو "هتلر"لروسيا لينتقل بعض أعلامها مثل" رومان جاكبسون"و "رينيه"إلى أمريكا في أربعينيات القرن العشرين ،وهناك استأنفت نشاطها.
أما في غرب أوروبا عامة وفرنسا خاصة فقد ازدهرت البنيوية في الستينات من القرن العشرين و طغت على وجودية سارتر التي سيطرة على فرنسا أنذاك عندما ترجم "تودر وف" أعمال الشكليين الروس إلى الفرنسية ، ومن أبرز اعلامها نجد "كريماس" و"تودر وف" و"رولان بارت" .
ومن هنا انتشرت البنيوية في اروبا وأمريكا وأنحاء العالم بفضل النقاد الفرنسيين وأعلام مدرسة براغ والشكلية الروسية.

3- مبادئ البنيوية:
تستند البنيوية إلى خطوتين أساسيتين هما: التفكيك و التركيب.
كما أنها لا تهتم بالمضمون المباشر بل ترتكز على شكل المضمون و عناصره و بناه التي تشكل نسقية النص في اختلافاته و تآلفاته (تلاحم الألفاظ) مقصية الدلالات التاريخية و الاجتماعية و الأبعاد النفسية و الشعورية.
و من هنا تنحصر مهمة الناقد في تحليل الأبنية الداخلية في النص و تحديد مستوياتها مثل المستوى الصرفي و الصوتي الدلالي و المعجمي...
فكل ظاهرة ـ تبعا للنظرية البنيويةـ يمكن أن تشكل بنية بحد ذاتها فالأحرف الصوتية بنية و الضمائر بنية و استعمال الأفعال بنية ... وهكذا.


4- البنيوية عند العرب:
أ- في التراث العربي: لم يكن العربي القديم بأدواته يستطيع تحليل النص الأدبي، كما يقوم به أصحاب البنيوية الآن إلا أن هناك بعض البدايات و النظرات التي تشابه إلى حد ما ما يقوم به البنيويون اليوم فحينما يكشف هؤلاء عن العلاقات المتشابكة في النص فؤلائك يبدو كأنهم كانوا يبحثون عنها و إن لم تكن نفس العلاقات فعبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز تحدث عن العلاقات النحوية في النص. و تأثيرها في التعبير الأدبي إضافة إلى أن نظريته الشهيرة (النظم) كانت تشبه إلى حد كبير ما يعرف بالتوليد في النص. و أن ليس بالمفردة المجردة مزية حتى تدخل في سياق معين و هذا ما عرفناه لدى البنيويين الذي يعتمدون في أسسهم على أن العلاقات بين العناصر في النص هي المحور ولا يعتد بالعنصر الواحد بداته.
كما يعتبر الجاحظ هو السباق في الإشارة إلى هذا العلم، و ذلك حين حاول تحديد علم البيان، إذ جاء في تعريفه لعلم البيان: (... و البيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، و هتك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع إلى حقيقته، و يهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، و من أي جنس كان الدليل لأن مدار الأمر و الغاية التي يجري القائل و السامع إنما هو الفهم و الإفهام، فبأي شيء بلغت الإفهام و أوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع.
ب- البنيوية العربية الحديثة: لم تنتشر البنيوية في العلم العربي كما كانت في الغرب تتوزع في كل المجالات سواءا العلوم الإنسانية أو غيرها، فقد تمركز هذا المنهج في النقد الأدبي دون غيره و قد بدأت في أواسط الستينيات حين نشر محمود أمين في مجلة المصور مطلقا عليها الهيكلة و بعدها توقف الزحف حتى نهاية السبعينيات و قد نشر العديد من النقاد و الأدباء العرب دراستهم التي اتجهت اتجاهي البنيوية الشكلاني و التكويني و إن كان للتكوينية النصيب الأكبر من الإنتشار.
و قد ظهرت محاولات نقدية أخرى إلا أنها ضلت محدودة و متواضعة رغم تحفزها و طموحها المتردد للتوازي مع ما وصل اليه النقد الغربي.

5- الآراء النقدية :
أـ الغربية: من الذين هاجموها "جان بول سارتر" ويقول تدروف عن البنيوية أنها شيء كفلسفة تسعى للقضاء على أشياء جميلة والتي منها الإنسان على وجه الخصوص .
ويشير سلدن إلى أن حرص البنيوية على عزل النص عن صاحبه (موت المؤلف) تمنع من معرفة ظروف هذا النص المساهمة في تحليله.
كما يصف لوفيفر البنيوية بأنها مذهب إرهابي نظرا لاعتقاد البنيويين أن الفرد الذي لا يؤمن بفكرهم هو ضد لهم، رافضين لكل نقد أو ملحوظة ،مما يمنع التواصل المثمر للرفع من قيمة النقد.
ب ـ العربية :لم تسلم من هجوم بعض المفكرين العرب المعاصرين أمثال فؤاد زكريا و عبد العزيز حمودة .
ويرى المسدي أن البنيوية تجرأت على النص وأزاحت ما كان يحيط من هالة قدسية تعيق عن الرؤية الموضوعية المتأنية .
ويرى سعد أبو الرضا أن النظرة المادية لواقع النص أو ما يتصل به تجعل الاتجاه البنيوي يتجاوز حدوده في تحديد النصوص المقدسة ، أي حينما يؤمن هذا الاتجاه بالواقع دون غيره في تحليل النص ،فيتجاهل ما فوق الواقع والقيم الأخلاقية فذلك ينافي تحقيق التفاعل بين النص والمتلقي فضلا عن الإخلال بالاعتقاد الإسلامي .
خاتــــــــــــــمة
من خلال هذه الدراسة نستنتج أن نشأة البنيوية لم تكن نقدية وإنما لغوية ، بالإضافة إلى أن النقد الغربي لم يستأثر بهذا المنهج ،وإنما شمل اغلب العلوم من إنسانية وغيرها ،فانتشرت كالنار في الهشيم في أصقاع الغرب وحاول أصحابها الرفع من شأنها وإطالة عمرها ، إلا أن مبادئها هي نفسها من اغتالتها لعدم استطاعتها الوفاء بما يستحقه النص الأدبي ،فاندثرت بعدما كتب لها الحياة و الاستمرار حقبة من الزمن...إذ هكذا سنة الحياة .
ومن هنا ستظل البنيوية منهجا له حسناته كما له سيئاته يستفاد منها بشكل جزئي كما هو حال أغلب المناهج النقدية ، مما يؤكد الدعوة إلى الاستفادة من جميع المناهج بعيدا عن سيئاتها المضرة بالنص الأدبي.