سورة الكوثرمكية وأياتها ثلاث أيات بين يدي السورة* سورة الكوثر مكية، وقد تحدثت عن فضل
الله العظيم على نبيه الكريم ، بإعطائه الخير الكثير، والنعم العظيمة في الدنيا والآخرة ، ومنها
[نهر الكوثر] وغير ذلك من الخير العظيم العميم ، وقد دعت الرسول إلى إدامة الصلاة ، ونحر الهدي شكرا
لله [إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وإنحر]. * وختمت السورة ببشارة الرسول (ص) بخزي أعدائه ، ووصفت مبغضيه بالذلة والحقارة ، والإنقطاع من كل خير في الدنيا والآخرة ، بينما ذكر الرسول مرفوع على المنائر والمنابر، واسمه الشريف على كل لسان ، خالد إلى آخر الدهر والزمان
[إن شانئك هو الأبتر]. اللغه : [الكوثر] الخير الكثير وهو مبالغة من الكثرة ، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد ، والقدر ، والخطر "كوثرا" ، قا ل الشاعر : وأنـا كثير يا ابن مروان طيب وكان أبوك إبن العقائل كوثرا
(إنحر] النحر خاص بالإبل ، وهو بمنزلة الذبح في البقر والغنم
[شانئك ] الشأنيء المبغض من الشنآن بمعنى العداوة والبغض ، ومنه قوله تعالى :
[ولا يجرمنكم شنآن قوم ] أي بغضهم
[الأبتر] المنقطع عن كل خير، من البتر وهو القطع يقال : بترت الشيء يعني قطعته ، والسيف الباتر : القاطع ، ويقال للذي لا نسل له أبتر، لأنه إنقطع نسبه ، وسميت خطبة زيادة بالخطبة البتراء لأنه لم يحمد الله فيها، ولم يصل على النبي الكريم .
التفسير: [إنا أعطيناك الكوثر] الخطاب للرسول ، تكريما لمقامه الرفيع أي نحن أعطيناك يا محمد الخير الكثير، الدائم في الدنيا والآخرة، ومن هذا الخير "نهر الكوثر" وهو كما ثبت في الصحيح
(نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلىمن العسل ، وأبيض من الثلج ، من شرب منه شربة، لم يظمأ بعدها ابدأ) وعن
أنس قال :
(بينا رسول الله(ص)،ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا : ما أضحكك يا
رسول الله ؟ قال : أنزلت على أنفا سورة ، فقرأ
بسم الله الرحمن الرحيم [إنا أعطيناك الكوثر] السورة ، ثم قال :
أتدرون ما الكوثر؟ قلنا :
الله ورسوله أعلم قال :
فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، فيه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة، آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد - أى ينتزع ويقتطع - منهم فأقول : إنه من أمتي ! فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك ) قال
أبو حيان : وذكر في الكوثر ستة وعشرون قولا، والصحيح هو ما فسره به
رسول الله (ص) فقال :
(هو نهر في الجنة تربته أطيب من المسك . .) الحديث . . وعن
ابن عباس : الكوثر : الخير الكثير (( وما ذهب إليه ابن عباس من أنه الخير الكثير جامع لأقوال المفسرين ، فقد أعطي
الرسول (ص) الفضائل الكثيرة العميمة ، أعطي النبوة ، والكتاب ، والحكمة ، والعلم ، والشفاعة ، والحوض المورود ، والمقام المحمود ، وكثرة الأتباع ، والنصر على الأعداء ، وكثرة الفتوحات ، إلى غير ما هنالك من الخيرات ، صلوات
الله وسلامه عليه )) .
[فصل لربك وإنحر] أي فصل لربك الذي أفاض عليك ما أفاض ، من الخير خالصا لوجهه الكريم ، وإنحر الإبل التي هي خيار أموال العرب ، شكرا له على ما أولاك ربك ، من الخيرات والكرامات ، قال في التسهيل : كان المشركون يصلون مكاء وتصدية ، وينحرون للأصنام ، فقال
الله لنبيه (ص) صل لربك وحده ، وإنحر لوجهه لا لغيره ، فيكون ذلك أمرا بالتوحيد والإخلاص
[إن شانئك هو الأبتر] أي إن مبغضك يا محمد هو المنقطع عن كل خير، قال المفسرون : لما مات "القاسم ، ابن
النبي (ص) قال "
العاص بن وائل " : دعوه فإنه رجل أبتر، لا عقب له - أي لا نسل له - فإذا هلك إنقطع ذكره ، فأنزل
الله تعالى هذه السورة ، وأخبر تعالى أن هذا الكافر هو الأبتر، وإن كان له أولاد، لأنه مبتور من رحمة
الله - أي مقطوع عنها - ولأنه لا يذكر إلا ذكر باللعنة ، بخلاف
النبي (ص) فإن ذكره خالد إلى آخر الدهر، مرفوع على المآذن والمنابر، مقرون بذكر
الله تعالى ، والمؤمنون من زمانه إلى يوم القيامة أنصاره وأتباعه ، فهو كالوالد لهم ، صلوات
الله وسلامه عليه ) .
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البديع والبيان نوجزها فيما يلي :
1- صيغة الجمع الدالة على التعظيم
[إنا أعطيناك ] ولم يقل : أنا أعطيتك.
2- تصدير الجملة بحرف التأكيد الجاري مجرى القسم
[إنا] أي نحن.
3- صيغة الماضي المفيدة للوقوع
[أعطيناك ] ولم يقل سنعطيك لأن الوعد لما كان محققا عبر عنه بالماضي مبالغة ، كأنه حدث ووقع.
4-المبالغة في لفظة الكوثر.
5- الإضافة للتكريم والتشريف
[فصل لربك].
6- إفادة الحصر
[إن شانئك هو الأبتر].
7- المطابقة بين أول السورة وآخرها بين
[الكوثر والأبتر] فالكوثر الخير الكثير ، والأبتر المنقطع عن كل خير.
.....انتهى تفسير سورة الكوثر.....
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]