سورة الإخلاص
مكية وأياتها أربع أيات
بين يدي السورة* سورة الإخلاص مكية ، وقد تحدثت عن صفات الله جل وعلا الواحد الأحد، الجامع لصفات الكمال ، المقصود على الدوام ، الغني عن كل ما سواه ، المتنزه عن صفات النقص ، وعن المجانسة والمماثلة ، وردت على النصارى القائلين بالتثليث ، وعلى المشركين الوثنئين ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، الذين جعلوا لله الذرية والبنين.
اللغة : [الصمد] السيد المقصود في قضاء الحاجات ، قال الشاعر : ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
[كفوا] الكفء : النظير والشبيه قال أبو عبيدة : يقال : كفو، وكفء ، وكفاء كلها بمعني واحد وهو المثل والنظير.
سبب النزول : روي أن بعض المشركين جآءوا إلي رسول الله ، فقالوا : يا محمد صف لنا ربك ، أمن ذهب هو، أم من فضة، أم من زبرجد، أم من ياقوت ؟! فنزلت [قل هو الله أحد . . الله الصمد . . ] السورة الكريمة.
التفسير: [قل هو الله أحد] أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين : إن ربي الذي أعبده ، والذي أدعوكم لعبادته ، هو واحد أحد، لا شريك له ، ولا شبيه له ولا نظير، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، فهو جل وعلا إله واحد أحد، ليس كما يزعم النصارى ويعتقدون بالتثليث (الأب ، والإبن ، وروح القدس ) ولا كما يعتقد المشركون بتعدد الآلهة ، قال في التسهيل : واعلم أن وصف الله تعالي بالواحد، له ثلاثة معانى، كلها صحيحة في حقه تعالى : الأول : أنه واحد لا ثاني معه فهو نفى للعدد، والثاني : أنه واحد لا نظير ولا شريك له ، كما تقول : فلان واحد في عصره أي لا نظير له ، والثالث : أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض ، والمراد بالسورة نفي الشريك ، ردا على المشركين ، وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته تعالي ، وذلك كثير جدا، وأوضحها أربعة براهين : الأول ؟ قوله تعالي [أفمن يخلق كمن لا يخلق ،؟ - وهذا دليل الخلق والإيجاد - فإذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات ، لم يصح أن يكون واحد منها شريكا له والثاني : قوله تعالى [لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا] - وهو دليل الإحكام والإبداع - الثالث : قوله تعالى [لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلي ذي العرش سبيلا] - وهو دليل القهر والغلبة - والرابع : قوله تعالى [ما إتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ، إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ] - وهو دليل التنازع والإستعلاء ثم أكد تعالى وحدانيته وإستغناءه عن الخلق
[الله الصمد] أي هو جل وعلا، المقصود في قضاء الحوائج على الدوام ، يحتاج إليه البشر، وهو مستغن عن العالمين ، قال الألوسى : الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه - أي يلجأ إليه - الناس في حوائجهم وأمورهم
[لم يلد] أي لم يتخذ ولدا، وليس له أبناء وبنات ، فكما هو متصف بالكمالات ، فإنه منزه عن النقائص ، قال المفسرون : في الآية رد على كل من جعل لله ولدا . كاليهود في قولهم [عزير ابن الله ] والنصارى في قولهم (المسيح ابن الله ] (( يعتقد النصارى بأن الإله ثلاثة أقانيم "الآب ، والابن ، وروح القدس" وهي عقيدة التثليث التى أشار إليها القرآن الكريم بقوله : {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، وما من إله إلا إله واحد} الآية ويعتقدون بأن الثلاثة واحد ، والواحد ثلاثة ، والجنون فنون ، ويزعمون أنهم موحدون ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا )) ومشركي العرب في زعمهم الكاذب أن [الملائكة بنات الله ] فرد الله تعالى على الجميع ، في أنه ليس له ولد، لأن الولد لابد أن يكون من جنس والده ، والله تعالي أزلي قديم ، ليى كمثله شىء، فلا يمكن أن يكون له ولد، ولأن الولد لا يكون إلا لمن له زوجة، والله تعالى ليس له زوجة ، وإليه الإشارة بقوله تعالى [بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة]؟
[ولم يولد] أي ولم يولد من أب ولا أم ، لأن كل مولود حادث ، والله تعالى قديم أزلي ، فلا يصح أن يكون مولودا ولا أن يكون له والد، وقد نفت الآية عنه تعالى إحاطة النسب من جميع الجهات ، فهو الأول الذي لا إبتداء لوجوده ، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره
[ولم يكن له كفوا أحد] أي وليس له جل وعلا مثيل ، ولا نظير، ولا شبية، أحد من خلقه ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا فى أفعاله [ليس كمثله شيء وهو السميع البصير] قال ابن كثير: هو مالك كل شيء وخالقه ، فكيف يكون له من خلقه نظيز يساميه ، أو قريب يدانيه ؟ تعالى وتقدس وتنزه ، وفي الحديث القدسي (يقول الله عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون على من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله : إتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد).
البلاغه : تضمنت السورة الكريمة وجوها من البديع والبيان نوجزها فيما يلي :
1- ذكر الإسم الجليل بضمير الشأن [قل هو] للتعظيم والتفخيم.
2- تعريف الطرفين [الله الصمد] لإفادة التخصيص.
3- الجناس الناقص [لم يلد] [ولم يولد] لتغير الشكل وبعض الحروف.
4- التجريد فإن قوله تعالى [قل هو الله أحد] يقتضي نفي الكفء والولد ، وقوله [ولم يكن له كفوا أحد] هو تخصيص الشىء بالذكر بعد دخوله في العموم ، وذلك زيادة في الإيضاح والبيان.
5-السجع المرصع وهو من المحسنات البديعية [قل هو الله أحد5الله الصمد]
لطيفة:هذه السورة الكريمة مؤلفة من أربع آيات ، وقد جاءت في غاية الإيجاز والإعجاز، وأوضحت صفات الجلال والكمال ، ونزهت الله جل وعلا عن صفات العجز والنقص ، فقد أثبتت الآية الأولى الوحدانية ونفت التعدد [قل هو الله أحد] وأثبتت الثانية كماله تعالى ونفت النقص والعجز [الله الصمد] وأثبتت الثالثة أزليته وبقاءه ونفت الذرية والتناسل [لم يلد ولم يولد] وأثبتت الرابعة عظمته وجلالة ونفت الأنداد والأضداد [ولم يكن له كفوا أحد] فالسورة إثبات لصفات الجلال والكمال ، وتنزيه للرب بأسمى صور التنزيه عن النقانص والقبائح.
فائدة :روي عن النبي (ص) أنه قال : (من قرأ [قل هو الله أحد] فكأنما قرأ ثلث القرآن ) قال العلماء : وذلك لما تضمنته من المعاني والعلوم والمعارف ، فإن علوم القرآن ثلاثة : "توحيد، وأحكام ، وقصص " وقد إشتملت هذه السورة على التوحيد، فهي ثلث القرآن بهذا الإعتبار، وقيل : إن ذلك في الثواب أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن ، والله أعلم.
..........انتهى تفسير سورة الاءخلاص.........
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]